أي ناري بأنواع آلام الهجر، بإضافة نار إلى ياء المتكلم بعدها هاء السكت، ولك أن تجعل الياء نسبية مخففة صفة لآلام وما تقدم أصح وأجود. ثم انتقل من هذا النسيب الوجداني إلى المديح النبوي:
ولم يبق لي إلا شفاعة شافع ... مقاماته في حضرة الله راقية
دعانا لتوحيد الإله وبره ... بأوضح آيات من الله بادية
وهذه الأبيات مع كلمات أخر للشيخ حرازم وغيره في مجموعة الفيض الهامع في تراجم أهل السر الجامع لأبي بكر عتيق ابن العالم خضر الكشني التجاني (١). كشنا الآن في بلاد دولة نيجريا في القسم الشمالي. من طريق الإسلام والقرآن وعلوم الدين والشعر النبوي فصاحة جمة في سائر بلاد الإسلام. وقد جعل بحر الفصاحة ينحسر عن أكثر المعاصرين من الجيل المسلم الحديث إلا ما بقي من ذلك عند أهل المحافظة، وعند من جعلوا يفطنون بآخرة إلى أهمية التمسك بالأصول وألا نتيه وراء السراب، والله برحمته وعونه وجوده يوفقنا ويهدينا إن شاء إلى الصواب.
لعل هذا الفصل عن الأغراض قد طال شيئًا. ولكنا رأينا أن باب المديح النبوي خاصة كأنه مغفول عنه إلا ما قدمنا ذكره من عمل الدكتور زكي مبارك رحمه الله وعطر ثراه وجعل الجنة متقلبه ومثواه، فنسأل الله أن يكون لهذا الذي قدمناه نفع وقبول، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حاشية: مما أخذ على البوصيري قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
كأن آخذه عليه ينكر منه هذا التوسل. ولو فطن لعلم أن الحادث العمم إنما هو موقف يوم القيامة والغرق في العرق، إذ لا نعلم حادثًا عممًا سواه وسوى الطوفان على الحقيقة، والطوفان قد مر. وسياق القصيدة، لذكره زلاته التي يخشى بسببها الهلاك ويرجو النجاة من سوء عاقبتها بالشفاعة بعد هذا البيت مباشرة، يبين أن مراده بالحادث العمم يوم القيامة لا حادث سواه وذلك قوله:
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت ... إن الكبائر في الغفران كاللمم
وهنا أيضًا إشارة إلى آية تنزيل {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} فهذا يقوي ما قدمنا من أن
(١) طبع مصر، القاهرة، المطبعة المنيرية سنة ١٣٧٦ هـ.