فإنه خلص في آخرها إلى باب تعليمي محض حيث قال بعد ذكره الآل والصحابة رضي الله عنهم والإشارة إلى تابعيهم بإحسان:
من كل حبر تابع سنن الهدى ... ولي على أثر الهداة حميدا
مثل البخاري ثم مسلم الذي ... يتلوه في العليا أبو داودا
فاقت تصانيف الكبار بجمعه ... الأحكام فيها يبذل المجهودا
قد كان أقوى ما رأى في بابه ... يأتي به ويحرر التجويدا
فهذا فصل في علوم الحديث ونقدها كما ترى.
وقد نظم الوزير ابن الحكيم وابن زمرك تلميذ ابن الخطيب وعدوه الموقع به من بعد وابن خلدون صاحب التأريخ والجاه الديواني بالمشرق والمغرب ولسان الدين بن الخطيب وغيرهما من أهل الجاه ووزراء الملوك ومن بمنزلتهم في المدح النبوي تبركًا وتعبدًا وتقوى أو تزينًا بذلك وتقية كل من وجهته التي هو موليها بحسب النية التي كان ينويها. وقد كان ابن خلدون رحمه الله شاعرًا لطيف الديباجة والبائية التي أوردها له النبهاني من الكلام الحسن، مطلعها:
أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عبرتي ونحيبي
وأبين يوم البين وقفة ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب
وهي تسعة وثلاثون بيتًا أربعة عشر منها في مقدمة النسيب فيها وشى من بديع كقوله:
غربت ركائبهم ودمعي سافح ... فشرقت بعدهم بماء غروبي
فهذا من قول البحتري «بالأمس تغرب من جوانب غرب» وأحسبه على بائية البحتري «كم بالكثيب من اعتراض كثيب» حذا قوله ههنا.
كقوله: يستعذب الصب الملام وإنني ... ماء الملام لدي غير شريب
والقافية قلقة وأول الكلام يشير به إلى قول حبيب:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي
وماء البكاء ذو ملوحة ونسج أبي تمام دقيق.