للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلقة امرئ القيس مثلًا بما فيها من أصدائها المتجاوبة معنى وإيقاعًا قد تجعل كلها مادة لقطعة أو قطع موسيقية وتكون حروفها وأقاويلها فصولًا لألحان تلك الموسيقا. ثم هذه الموسيقا من شاء قرن بها بعد ذلك حروفًا ركبت منها أقاويل غير التي قالها امرؤ القيس. ظاهر قول كلام أبي نصر يدل على أن مثل هذا جائز.

هل بعيد إذن أن تكون لكثير من تأليف الموسيقا الغربية أصول من موسيقا عربية نشأت من أقاويل عربية، ثم ركبت على حذوها بعد ذلك أقاويل غير عربية؟

الذي لا ريب فيه أن من أوائل ما ترجمه الإفرنج عن العرب الموسيقا والطب في القرن الحادي عشر الميلادي ومن بعد، فبداية نهضة أوروبا من حينئذ. وربما أرخوا لها بسقوط القسطنطينية في يد محمد الفاتح رحمه الله سنة ١٤٥٣ م فيقال عن علماء بيزنطة فروا بالمخطوطات اليونانية إلى الغرب فنهض نتيجة الاطلاع عليها والانتفاع بعلومها وفنونها. وههنا موضع تساؤل، وهو أن الإفرنج قد استولوا على القسطنطينية في الحملة الصليبية الرابعة ومكثوا على السيادة والسيطرة عليها من ١٢٠٤ م إلى ١٢٦١ م، فلماذا لم ينتفعوا بمخطوطاتها في هذه الفترة؟

أغلب الظن أن علم يونان لم يصل إلى أوروبا إلا من طريق العرب، طبًّا وموسيقا وغير ذلك. وقد ذكر الأستاذ فؤاد سوزكين في محاضرة له سمعناها بفاس إذ قدمها أستاذًا زائرًا في خريف سنة ١٩٨٠ م أنهم كانوا ربما ترجموا الكتاب وانتحلوه لأنفسهم من بعد أو نسبوه إلى عالم يوناني قديم افتراء عليه ومثل لذلك بمترجم كان يقال له قسطنطين الإفريقي.

وما استبعد أن تكون موسيقا الكنائس، وهي أصل في الذي يسمونه التأليف العالي (الكلاسيكي) من صنوف الموسيقا، قد اقتبست من موسيقا المسلمين عن طريق الترجمة والأخذ المباشر شيئًا كثيرًا وفي شعر المعري في كلمة يزري بها على

<<  <  ج: ص:  >  >>