للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيل التمثيل، لا الحصر، هذه الأدلة - خذ قول امرئ القيس مثلًا (١):

تميم بن مر وأشياعها ... وكندة حولي جميعًا صبر

إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرقت الأرض واليوم قرّ (٢)

تروح من الحي أم تبتكر ... وماذا عليك بأن تنتظر (٣)

أمرخ خيامهم أو عشر ... أم القلب في إثرهم منحدر

وفيمن أقام من الحي هر ... أم الظاعنون بها من الشطر

وهر تصيد قلوب الرجال ... وأفلت منها ابن عمرو حجر

فالبيت الثاني فيه الطباق بين الأرض واليوم، والتحرق القر، والمقابلة بين تحرق الأرض وبرد اليوم؛ وفي البيت الثاني الطباق بين الرواح والابتكار، ثم طباق آخر غاية في الحذق بين قوله: "أأنت مسافر، رائح أم مغتد"، وقوله: "وماذا عليك بأن تنتظر"، وكأنه يريد أن يقول: "ألا تقيم؟ ". وشبيه بهذا في قوله: "أمرخ خيامهم الخ"، إذ معناه: أهم مقيمون ضاربون الخيام، وهذه الخيام أهي مرخ؟ والسؤال عن نوعها إنما هو في الحق كناية عن السؤال بإقامتهم. ويقابل هذا قوله: أم القلب في إثرهم منحدر، وهو كناية عن السؤال بسفرهم. ولذلك لم يقل "أم عشر"،


(١) مختارات الشعر الجاهلي: ٨٦.
(٢) أي إذا ركبوا للحرب ولبسوا الدروع يوم الوغى، وتحرقت الأرض، وإن كان الجو شتاء باردًا. واستلام: أي ليس اللأمة، بفتح اللام وسكون الهمزة: وهي الدروع. والقر: هو البرد.
(٣) تأمل استعمال "أم" التي هي للمعادلة في هذا البيت وفي الذي بعده. ولعلك ستسأل لماذا لم يقل: "أم عشر" عند قوله: "أمرخ خيامهم أو عشر". والجواب عن ذلك هو أن المعادلة ليست بين المرخ والعشر ولكنها بين المرخ العشر معًا من جهة، وانفطار القلب من جهة أخرى. ومثل هذا قول صفيه ترقص الزبير:
كيف رأيت زبرا ... أأقطًا أو تمرا
أم قريشًا صقرًا
ذكره سيبويه (١: ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>