للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن وقال: "أو عشر". وقد فسر هذا كله في البيت الثاني حيث صرّح قائلًا، أهرٌّ فيمن أقام، أم هي ظاعنة مع الذين ظعنوا؟ والشُّطُر: جمع شطير، أي مشطور، أي مشقوق عن أهله، ومُبعد عن أحبابه. والطباق بين الظعن والإقامة واضح هنا. وكذلك في البيت الذي يليه تجد الطباق واضحًا بين الإفلات والصيد. فتأمل هذا -ألا تجد أمرؤ القيس -وقد أجمعوا على أنه أبعد الناس عن التصنيع- قد صنع في كل بيت من هذه الأبيات التي رويناها طباقًا تصحبه مقابلة؟ ومما أستحسن هذه الأبيات أجدني لا أكاد أملك النفس من إنشاد هذا الجزيء الرفيع المتصل بها:

رمتني بسهم أصاب الفؤاد ... غداة الرحيل فلم أنتصر

فأسبل دمعي كفض الجمان ... أو الدر رقراقه المنتشر

أي رقراقه كالجمان المفضوض.

وإذ هي تمشي كمشي النزيف يصرعه بالكثيب البهر (١)

برهرهة رودة رخصة ... كخرعوبة البانة المنفطر (٢)

وتأمل موضع الجناس من قوله "البهر برهرهة، رودة الخ".

فتور القيام، قطيع الكلا ... م تفتر عن ذي غرب خصر (٣)

كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامي ونشر القطر (٤)

يعل به برد أنيابها ... إذا طرب الطائر المستحر (٥)


(١) البهر: هو الإعياء.
(٢) البرهرهة: المترجرجة، الرودة: الشابة الناعمة، والبانة الخرعوبة: هي اللينة، وجعلها تكاد تنفطر لثقل ورقها النضر، ونورها الغض، ولا يعني أنها قد انفطرت كما قد يتبادر، فكأنه أراد بالمنفطر: الذي بسبيل الانفطار.
(٣) ذو الغروب الخصر: هو ثغرها، والغروب: هي أطراف الأسنان، والخصر: هو البارد العذب.
(٤) الخزامي: من ثبت البرية، طيب الرائحة. والفطر: عود الطيب.
(٥) المستحر: الذي يغرد وقت السحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>