فبت أكابد ليل التما ... م والقلب من خشية مقشعر
فلما دنوت تسديتها ... فثوب نسيت وثوب أجر
ولم يرنا كاليء كاشح ... ولم يفش منا لدى البيت سر
والبيتان الأخيران قد جاء فيهما بالطباق. وللنحويين وقفة عند قوله: "فثوبٌ" هكذا بالرفع، وهو مما يستشهدون به على جواز الابتداء بالنكرة، ولك أن ترويه بالنصب وقد روي به هكذا: "وثوبًا نسيت". وهذه الأبيات أحلى عندي نفسًا، وأدل على النشوة والمتعة من تفصيله في اللاميتين. وأحسب أن البيت الأخير يدل على أنه لم يتجاوز فيما ظفر به من محبوبته حد العفاف، وإلا فلا معنى لقوله "لدى البيت" ألا ترى إنما مراده أن يقول: "لم يرنا كاليء كاشحٌ، ولو قد رآنا لوجدنا على حال العفاف، ".
هذا، ودونك مثلًا آخر من كلام طرفة، وهو ممن أجمعوا على بعده عن الصناعة
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي ... فدعني إبادرها بما ملكت يدي
فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزيد
وكري إذا نادى المضاف محنبا ... كسيد الغضى نبهته المتورد (١)
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكتة تحت الخباء المعمد
كأن البرين والدماليج عُلقت ... على عشر أو خروع لم يخضد
فذرني أروي هامتي هي حياتها ... مخافة شرب في الممات مصرد
كريم يروي نفسه في حياته ... ستعلم إن متنا غدًا أينا الصدى
(١) المحنب: هو الذي في قوائمه اعوجاج، ومثله المجنب بالجيم المعجمة.