قبل ترجمته المشهورة للمفضليات (١). «إن شكل الشعر العربي القديم وروحه أمر متميز غير أنه ليس من السهل أن نجعله في حيز أحد هذه الأضرب التي يعرفها النقد الأوروبي. إنه ليس بملحمي ولا بقصصي إلا حيث يكون وصف الحادث معينًا على إبراز صورة الشخصية وأبعد من ذلك أن يقال مسرحي لأن الشخص الوحيد والمقياس الوحيد المعروفين للمتكلم هما نفسه ومثله الأعلى الذي يعتقده، وعسى أن تكون القطعة الوصفية أو الخبرية القصيرة التي كان اليونان يصوغونها نثرًا أو نظمًا شيئًا قريب الشبه من شكل الشعر العربي القديم. ذلك بأن القصيدة العربية تضع أمامنا سلسلة من صور الحياة التي يحياها صاحبها، مصورة بمهارة مقتدرة واثقة من نفسها وبمعرفة صادرة عن مشاهدة وممارسة، ومن صور الأشياء التي كان يتحرك بينها، ومن صور فرسه وجمله وحيوان الصحراء وأوابدها ومناظر الأرض التي كان هو وهؤلاء جميعًا يتقبلون في وسطها وتحيط بحياتهم، وكل هذه الصور مع ما يبدو من هلهلة الربط بينهما ووهيه، تخضع خضوعًا لفكرة واحدة، هذه الفكرة هذا فض الشاعر مكنون صفحات قلبه تباعًا، من ضروب إعجاب، وضروب بغضاء، ومن قوة نفسه وحرية روحه». ثم يذكر ليال رأي المستشرق الألماني نولدكه حيث قال:«إن الشعر العربي ليس بالشعر الذي يسعى لأن يعطي شكلًا لما هو فوق الحواس أو يعرض علينا حكايات متعددة ألوان القصص أو يضفي ضوءً شعريًّا على دائرة معنى مكتنز ولكنه شعر يجعل همه الأكبر أن يصور الحياة والطبيعة كما هما من غير ما كبير إضافة من زخرفة الأوهام» ويعقب على ذلك بقوله هو: «لا شعر يصح وينطبق عليه تعريف ماثيو أرنولد أن الشعر نقد للحياة أكثر من الشعر العربي ولم تنجح أمة في تصوير نفسها على وجه الدهر في أسمى ما ترقى إليه وأدنى ما تُسِفُّ فيه وفي عظمتها كما في قصورها، كما نجحت أمة العرب، ولذلك فإن شعر الجاهلية هو حقًّا تأريخها، فيه عاش أولئك الأوائل حياتهم
(١) () Translations of Ancient Arabian Poetry by Charles James Lyall, London ١٨٨٥ Introduction XVII- XIX (١٩ - ١٨).