للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه يدل على ما رأى من الجيد واللبات وإسفار الوجه. على أنه ليست فيه زيادة نعت على قوله آنفًا «كأنها ظبيةٌ أفضى بها لبب إلخ». وإنما فيه إيحاءٌ بما أحسه هو- ولعل الإيحاء كله في قوله «كحلاء في برجٍ». وأحسب أنه لولا هذا الإيحاء لكان هذا البيت كله خلاءً قواءً، لا عريب من معنى عنده.

وقوله «والقرط في حرة الذفرى» إضافة أضافها ذو الرمة، إما من ذكرى تجربةٍ سابقةٍ، وإما من نظر إلى مذهب الشعراء، حين ينعتون طول العنق ويذكرون بعد مهوى القرط. وهذا الوجه الثاني أشبه.

وفي البيت بعد كما ترى دلالة على ما قدمناه من أمر المزج بين نموذجي الرعبوبة البادنة والخمصانة الشطبة الطويلة القامة وأحسب أن ذا الرمة قد أفسد الصورة التي أعطاناها؛ شيئًا، بهذا البيت، الذي لم يكن به إليه كبير حاجة، وكان حسب إذ فرغ من نعت تجربته أن يخلص إلى البيت الذي اختتمها به من قوله:

تلك الفتاة التي علقتها عرضًا ... إن الكريم وذا الإسلام يختلب

وهو بيت نبيل الروح رقيق كما ترى.

ذلك بأنه قد وصف لنا أن هذه المرأة عجزاء، وأضفى على هذا المعنى جوًا من اللبب والعقب ذي الأنقاء، فالقرط الذي تباعد الحبل منه فهو يضطرب، لا يتناسب مع هذا، ولا مع الذي كان احتال به من قلق الوشاح. وكان حسبه لو قد اكتفى من نعت الجيد بما قدمه من معنى الحركة والاشرئباب في خروج الظبية حين خرجت من اللبب إلى السهل الفضاء. ولكن ذا الرمة رحمةالله قد كان مما يغفل، ويذهب به الأخذ من الشعراء كل مذهب عن جادة مسلك تجاربه.

ولهذا -أظن- ما قُصر به، عن منزلة الفحول (١).

وبحسبنا، الآن، كما قدمنا، هذا القدر عن نموذج بين بين.


(١) الأغاني ١٦ - ١١٠ - ١١ - ١١٧ - ١٠٩ ومقدمة شرح القصائد الأربع.

<<  <  ج: ص:  >  >>