للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما هوّل امرؤ القيس في قوله «ومسنونةٌ زرقٌ كأنياب أغوال» بمعرض ما كان فيه. وهذا أشبه (١). والله تعالى أعلم.

ثم إنه يرجع بعد وصفه الوجه إلى التمني في قوله «إذا أخو لذة الدنيا تبطنها إلخ». ولا يغيب عنك هنا جانب الأخذ من قول امرئ القيس «ولم أتبطن كاعبًا»، وجانب النظر إلى مذهبه ومذهب النابغة من إشاعة الظلام عند ذكر معاني الوصال. وقد جعل ذو الرمة هذا التمني أيضًا ذريعة إلى تأمل آخر يتأمل به حمرة الطيب التي كانت على أنفها على مذهب البدويات آنذاك ويصف أنفها هذا الذي راعه طيبه:

سافت بطيبة العرنين مارنها ... بالمسك والعنبر الهندي مختضب

وفي قوله «بطيبة العرنين» بالتأكيد لقوله من قبل «غير مقرفةٍ» ثم أبه ذو الرمة وانتبه من الأماني إلى ما كان قد رآه حقًا من الإسفار والانتقاب، وأحسه من طرب وهوى وحرجٍ. فذكر بهجتها إذ سفرت، وحاله حين انتقبت وأضرب عما كان قاله من «زين الثياب». واستلاب تلك الثياب، ونعت شفتيها وإنما رأى منها لمحة أو كاللمحة، أو كما قال «حوةٌ لعسٌ» لا يقدر على مداناةٍ وتأمل أكثر من هذا. وأتم الوصف من بعد من الوهم. ونظر إلى نحو قول النابغة:

تجلو بقادمتي حمامة أيكةٍ ... بردًا أسف لثاته بالإثمد

ونحو قوله قول طرفة:

سقته إياة الشمس الالثاته ... أسف ولم تكدم عليه بإثمد

ونعته للعينين والصفرة والنعج من لونها أعلق بتجربته

كحلاء في برج صفراء في نعجٍ ... كأنها فضةٌ قد مسها ذهب


(١) راجع نفسه، المقدمة (ز) - والأغاني ١٦/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>