يصفون، إلى المقارنة بين بادنها وخمصانها. وكان الخلط أيسر لديهم كما سترى عند الأعشى، إن شاء الله. ومهما يكن من شيء، فالتبدين يغلب الخمص عند المبالغة، لأن الخمصانة حين يزاد في معنى طولها، تحتاج من التبدين، إلى أكثر مما تحتاج إليه الفارهة حين يزاد في معنى فراهتها من التضمير، لكيما يتم التناسب.
والآن حين نأخذ في الأمثلة. قال عمرو بن كلثوم:
تريك إذا دخلت على خلاءٍ ... وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطلٍ أدماء بكرٍ ... هجان اللون لم تقرأ جنينا
وثديًا مثل حق العاج رخصًا ... حصانًا من أكف اللامسينا
ومتنى لدنةٍ سمقت وطالت ... روادفها تنوء بما يلينا
ومأكمةً يضيق الباب عنها ... وكشحًا قد جننت به جنونا
وساريتي بلنطٍ أو رخامٍ ... يرن خشاش حليهما رنينا
وضخامة هذا النموذج بينة. والمنعوتة كاعبٌ بكر، مؤلهة الخصوبة، يدلك على نأليهها أنه شبهها أول شيءٍ بالناقة العيطل أي الطويلة، الأدماء الهجان، أي البيضاء الكريمة الخالصة اللون. وبياض الإبل كما تعلم يضرب إلى صفرة الرمل. وقوله «لم تقرأ جنينا» شاهد بكارتها.
والتمثال تمثال متجردة. إلا أن الشاعر يوهمنا أنها لابسة بقوله «تريك إذا دخلت على خلاءٍ». كأنها تتراءى. وداعي الإيهام أن نظرته فيها إسراع لمحٍ، لا تأمل متريث كالذي رأيت عند امرئ القيس. وهذا اللمح السريع أشبه بالوافر الذي منه هذه القصيدة، وبالغناء الخطابي المندفع الذي يريده الشاعر منه.
فأول ما لمح ذراعيها كذراعي القلوص. ثم لونها، وكلية أنوثتها وضمرها ونضجها المبتكر. ثم لمح ثديًا منها كأنه حق عاج. وقوله «ثديا لا ثديين» مما يدل على ثوب كان ملقى على الجانب الآخر، على النحو الذي رأينا في بعض نعت النابغة، وعلى