القافية، وتتابع الأبيات الذي يمتد من المطلع إلى المقطع. وقول العروضيين في حلقات الدرس:«قطع البيت الآتي» مما يقوي هذا المعنى. وعندنا في عامية السودان يقولون «فلان بيقطع» أي يقول الشعر. كأنهم عنوا أنه يقطعه قطعًا متساويات. وعسى أن يكونوا عنوا أنه يقتطعه من نفسه بدليل قولهم:«فلان يقطع من رأسه» من تأليفه لا من حفظه (١).
وكأن القصيدة إنما سميت قصيدة على سبيل التشبيه بالقنا ذي الكعوب والأنابيب المتناسبات الأبعاد، إذ القصيدة كالقناة وحدة من قطع الأبيات المتلاحقات تلاحق الأنابيب. والقافية تعقد آخر كل أنبوب بما يليه.
وقولهم القريض عندي من هذا الباب نفسه إذ أصله من القرض. وهو أحسبه أريد به وصف صياغة الشعر ثم أطلقه المجاز على الشعر نفسه. وكأن الشاعر عندهم يقرض الكلمات قرضًا ثم ينظمنا في نطاق الوزن.
هذا ولقد ترى ما في لفظي القصيد والقريض من الإراغة إلى وصف المجهود الذي يكون من الشاعر، إذا قابلتهما بقولهم «هزج» أي غناء و «رجز» أي حركة. ومنشأ هذا المجهود بلا ريب هو ما يعانيه الشاعر من كلفة التأليف بين الوزن واللفظ والقافية. أو قل ما يعانيه من كلفة إبراز الوحدة الكمينة فيهن إلى حيز العبارة الناصعة والبيان الواضح.
هذا ولقد يعيب بعض المعاصرين على الشاعر العربي ما وقع فيه من هذه الكلفة ولا سيما كلفة القافية الواحدة، يزعمون أنها تجحف بالمعاني من أجل تصيد الشاعر للألفاظ المتشابهة الروي، وأنها تجحف بالنغم من أجل تكرر جرسها ورتابته. وقد ذكرنا في المرشد الأول أن الشاعر العربي المُلم بمادة اللغة لا يجد عسرًا في القافية من حيث هي سجع وروي إذ اللغة العربية غنية بالكلمات متشابهات