للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كتبنا لك هذه القطعة هكذا كما تفعل المجلات الأدبية المعاصرة لترى شاهد ما نذهب إليه.

ولقد أخذت مذاهب النثر بعد القاضي الفاضل وعصره في طريق تتفاوت في الصناعة وزخرفة الشكل بين مذاهب الصاحب والحريري ومذهبه هو. وشاع توحيد السجعات في فقرات متتالية على نحو قريب من روي القصيد في العصور المتأخرة. من شواهد ذلك خطبة المقدمة لابن خلدون وخطبة القاموس، وقد يهم بعض النقاد فينسبون إلى ابن خلدون أصالة في الأسلوب إذ طرح السجع وآثر الترسل في المقدمة نفسها. والحق أنه اتبع مذهب كل العلماء من العمد إلى النثر الخالص في باب التأليف العلمي، فعل ذلك الغزالي وابن تيمية وابن القيم والسيوطي وكثيرون غيرهم- كما اتبع مذهب كل الكتاب من العمد إلى الزخرفة في الخطب.

هذا وإنما قدمت تقديمي السابق كله من أجل أن أدل على شاعرية النثر العربي، وقد بينت مرادي من هذه العبارة بما ذكرته من الشواهد منذ زمان الحديث إلى العصر الحديث. ولا أرى القارئ الكريم إلا يحط معي في أن النثر العربي في طرائقه المختلفة، من رصف عبد الحميد إلى انسياب الجاحظ إلى سجع الصاحب إلى صناعة الحريري، إلى زخرفة القاضي الفاضل، شديد الشبه بالشعر الإفرنجي. ولقد يقال إن ضروبًا من النثر الإفرنجي قد تنحو نحوًا يقارب الشعر الإفرنجي، ولكن ينبغي هنا أن نتذكر أن الشعر الإفرنجي نفسه، الذي تريغ هذه الضروب إلى مقاربته، يشبه نثرنا الفني دون شعرنا. وهنا موضع التنبيه إلى أن شعرنا ذو طبيعة خاصة، جعلته كأنه طريقة وحده بين سائر مذاهب القول المنظوم لا يجوز تشبهها على أية حال بهذه المذاهب التي يسميها الإفرنج شعرًا ولا تصح الموازنة بينه وبينها. وأحسبنا متى تنبهنا إلى هذه الحقيقة أمنا أن نقع في كثير من المزالق التي يقع فيها بعض نقادنا المحدثين. وإليك بعض البيان فيما يلي إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>