لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه ... ولا اللذاذة من كأس ولا شغل
يعني شغلًا بغزل النساء. وزعم بعض المفسرين أن الشغل الذي في قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} هو فض الأبكار. وبيت الأعشى هذا توطئة لما سيئول إليه قوله من بعد من أمر الجد والوعيد الذي كان كالهجاء والخصومة.
فقلت للشرب في درنا وقد ثملوا ... شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل
قالوا نمار فبطن الخال جادهما ... فالعسجدية فالأبلاء فالرجل
فالسفح يجري فخنزير فيرقته ... حتى تدافع منه الربو فالحبل
الربو والحبل موضعان.
حتى تحمل منه الماء تكلفة ... روض القطا فكثيب الغينة السهل
يسقى ديارًا لها أصبحت غرضًا ... زورا تجانف عنها القود والرمل
لها أي لهريرة. زورا جمع زوراء أي بعيدة- أي أصبحت ديارها بعيدة لا تبلغها الإبل ولا الخيل وقوله غرضًا أي غرضًا للأمطار أو غرضًا لمن يهواها وهو الشاعر. وقد جمع الأعشى هنا بين نشوة الثمل ونشوة رؤية البرق ونشوة ذكرى الحبيبة، فاسحنفر بذلك إلى مواجهة قرن وقتاله: -
أبلغ يزيد بني شيبان مالكة ... أبا ثبيت أما تنفك تأتكل
ألست منتهيًا عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرة يومًا ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فهذا اقتضاب كما ترى.
ويروي «كناطح صخرة يومًا ليوهنها» وهو أشد ملاءمة لقوله أوهى في عجز البيت.
والاقتضاب هنا قريب المعادن من اقتضاب بشر بن أبي خازم، مع ما صاحبه من عناصر المقابلة والعود إلى ما كان قد سبق ذكره.
وقال بشر بن أبي خازم في مفضليته (٩٦) التي أولها:
عفت من سليمي رامة فكثيبها ... وشطت بها عنك النوى وشعوبها
وغيرها ما غير الناس قبلها ... فبانت وحاجات الفؤاد تصيبها
ثم ذكر الفراق والدموع ثم قال:
رأتني كأفحوص القطاة ذؤابتي ... وما مسها من منعم يستثيبها
فقوله «وما مسها من منعم» قريب مما سماه ابن رشيق بالخروج، وهو نحو قول أبي الطيب: