للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريث ولا عجل

ليست كمن يكره الجيران طلعتها ... ولا تراها لسر الجار تختتل

ولكنها كما ترى زوارة فهذا أشبه بأن تكون هي قينة. ثم يقول:

والساحبات ذيول الريط آونة ... والرافلات على أعجازها العجل

تفسير أبي عبيدة أن العجل هي المزادات بكسر العين وفتح الجيم أشبه أي أكفالهن ضخمات ويتبرجن بها. وللأصمعي تفسير آخر أنهن كانت بأيديهن المزادات يخدمن بها من يسقينهن وهو وجه بعيد. وقد ذكر الأعشى الساقي فما كانت الساحبات تسقيه وأصحابه وإنما كن يغنينهم ويرقصن يدلك على ذلك قوله من قبل: «إذا ترجع فيه القينة الفضل» وهؤلاء الساحبات والرافلات من متاع ما كانوا يلهون به. ودليل آخر قوله بعد هذا البيت وهو في معنى ما ذهب إليه أبو عبيدة:

من كل ذلك يوم قد لهوت به ... وفي التجارب طول اللهو والغزل

هذا البيت ولا سيمًا عجزه جيد. أي اللهو والغزل من التجارب التي تكسب الحكمة وهو معنى عميق الغور.

وإذ ذكر أن اللهو من التجارب ساغ له أن يجيء بعده بما يقابله، على النحو الذي رأينا في تائية الشنفري وفي عينية الحادرة، بل بمذهب الشنفري أشبه:

وبلدة مثل ظهر الترس موحشة ... للجن بالليل في حافاتها زجل

لا يتنمى لها بالقيظ يركبها ... إلا الذين لهم فيما أتوا مهل

والمهل التجارب، فهذا دليل الربط بما تقدم فيه بين جلي أيما جلاء ويقوى ما قلنا به من قبل.

جاوزتها بطليح جسرة سرح ... في مرفقيها إذا استعرضتها فتل

هذا في صفة الناقة الفتية القوية جعلها في مقابلة القينة الفضل وفي مقابلة الهركولة الفنق. ثم من التجارب شيم البرق من أجل الصيد ومن أجل أن يراد للمرعى. وههنا أيضًا مقابلة إذ الغيث وعارضه تحول مما كان فيه من فلاة كظهر الترس أي ملساء لا نبت بها إلا عزيف الجنان في ليلها ولهبان القيظ في نهارها:

بل هل ترى عارضًا قد بت أرمقه ... كأنما البرق في حافاته شعل

له رداف وجوز مفأم عمل ... منطق بسجال الماء معتمل

ثم رجع إلى اللهو الأول الذي كان فيه على نحو قريب مما نبه عليه ابن رشيق إذ تمثل بأبيات النابغة العينية.

<<  <  ج: ص:  >  >>