وقد أقود الصبا يومًا فيتبعني ... وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول
وزعم ابن قتيبة أن هذا مما تأخر لفظه ومعناه وأخطأ على حذقه بلا ريب وذلك أنه لم يكن لمثله في فقهه وورعه أن يهش إلى شيء من أمر الشراب ولهوه- والبيت من المفردات الجياد. ثم أخذ الأعشى في صفة مجلس الخمر والأنس، وأخذ من علقمة أخذًا، وكلام علقمة تخالطه من الذكرى أحزان مع جودة الوصف وإتقان نغم القريض وصفائه. وكلام الأعشى فيه الجذل، وتحس فيه حركة الطرب والحيوية وأنس المجلس الثمل وخفة حركة الساقي ورنين الصنج والغناء وحلاوة الفتيات الراقصات الغزلات:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
لا يستفيقون منها وهي راهنة ... إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجات له نطف ... مقلص أسفل السربال معتمل
فها هنا حركة وحيوية
والحركة أهدأ في وصف علقمة ساقيه:
ظلت ترقرق في الناجود يصفقها ... وليد أعجم بالكتان مفدوم
علقمة هنا ينظر إلى لون الخمر وبريقها وجودتها ونظافة هذا الأعجم وتجويده عمله- ولكن الأعشى يصور السعي الحثيث، والأقراط التي تتذبذب به وهذا الاعتمال والتقليص- الأعشى يرتقب مجيء الكأس ليعبها عبًا وينهمك مع صخبها وحيوية مجلسها. أما علقمة فهو ينظر بعين بصيرة الذكرى إلى متعة ذاقها وقد ذهبت أيامها وبقيت لذاذة ذلك في النفس والأسى على ذهابه وما تغيرت به الدنيا من حال إلى حال.
ومستجيب تخال الصنج يسمعه ... إذا ترجع فيه القينة الفضل
وهل هذه القينة الفضل هي هريرة مع الذي حاول أن يضيفه على هريرة من سيما الحرائر وأسلوبهن إذ قال: