وعلقته فتاة ما يحاولها ... ومن بني عمها ميت بها وهل
وعلقتني أخيري ما تلائمني ... فأجتمع الحب حب كله تبل
من قولهم متبول بحبها أي كله عشق مفرط والتبل بفتح فسكون ذهاب العقل وهو ما تفعله المرأة بالرجل إذا هام بحبها
فكلنا مغرم يهذي بصاحبه ... ناء ودان ومخبول ومختبل
وعلى هذا النمط جاء شكسبير الشاعر الإنجليزي بمناظر من مسرحيته التي سماها: «A MIDSUMMAR NIGHTS DREAM» أي «حلم منتصف ليلة من ليالي الصيف» وكثرة المشابه بين ضروب من أقاويل شكسبير وأصناف من شعر العرب تنبئ أنه قد قرأ من ذلك أو سمعه ممن قرأه كمعاصره بدويل الذي ترجم معاني القرآن مثلًا.
ومنهج الأعشى في فكاهته لمن تأمله تمثيلي الروح.
ثم يصير الأعشى إلى نوع من معاتبة هريرة. وها هنا توطئة خفية لما سيأخذ فيه من عتاب ووعيد جاد من بعد:
صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلًا بأم خليد حبل من تصل
أن رأت رجلًا أعشى أضر به ... ريب المنون ودهر مفند خبل
قالت هريرة لما جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل
هذا البيت من الفكاهة ذروة. وهو مضمن ذكرى، لأن هريرة صدت عنه الآن وهو أعشى أضربه ريب الدهر. ولقد مر زمان كان إذا زارها قالت ويلي عليك من أهلي وويلي منك ستفضحني. وكأن الذكرى المضمنة إنما هي محض احتيال شعري وإنما جاء زائرها الآن فراعها- كما راع بشار من بعد، وما أحسبه إلا قد تأثر الأعشى، إذ قال:
وإنا لا نراك فألمسينا
فراعته بأكثر مما راعها. وليست لبشار على جودة شعره خفة روح أبي بصير.
إما ترينا حفاة لا نعال لنا ... إنا كذلك ما نحفي وننتعل
فهذا يدلك أنه زائرها الآن وخلع نعليه لكيلًا يكون لوقع أقدامه صوت فهذا من مكر زوار النساء- وقد ألح على أن الأمر كله ذكرى بقوله بعد:
وقد أخالس رب البيت غفلته ... وقد يحاذر مني ثم ما يئل