زيافة بالرحل صادقة السرى ... خطارة تهص الحصى بمثلم
سائل تميمًا في الحروب وعامرًا ... وهل المجرب مثل من لم يعلم
ومن عند هذا البيت أقبل على المقاتلة بالبيان والفخر، وكان قد حمس نفسه له ببيضاء العوارض التي سمعت قيل الوشاة وهو بها شديد الغرام:
دار لبيضاء العوارض طفلة ... مهضومة الكشحين ريا المعصم
سمعت بنا قيل الوشاة فأصبحت ... صرمت حبالك في الخليط المشئم
فظللت من فرط الصبابة والهوى ... طرفًا فؤادك مثل فعل الأيهم
الأيهم هو الجمل المغتلم هذا مراد بشر لا أشك فيه.
قول الشارح والأيهم المدكوك الفؤاد الذي يفهم شيئًا كالحجر الأيهم والصخرة اليهماء وهي الملساء والأيهمان السيل والجمل المغتلم. قلت والجمل المغتلم يخرج كركرته وترى شاهد الحزن والصبابة عليه ويمتنع عن الطعام والشراب. وفسروا قوله طرف الفؤاد بكسر الراء وفتح الطاء أي استطرف حزنًا أي أحسه جديدًا.
وميمية بشر هذه جيدة ولكن ميمية عنترة أخملتها.
ومن ذلك قول الأعشى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعًا أيها الرجل
ثم وصف هريرة فأبدع ما ساء، من متبرجة خلوب، بالألباب لعوب:
هركولة فنق درم مرافقها ... كأن أخمصها بالشوك منتعل
إذا تقوم يضوع المسك أصورة ... والزنبق الورد من أردانها خضل
ثم أخذ في وصف الروضة، وكأنه بذكر المسك والروضة يؤم سبيل عنترة- وليس له جد عنترة في الوصف وإخلاصه له، ولكن لكلامه حلاوة: -
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل
يومًا بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
ثم أخذ الأعشى في قري من اللهو والمفاكهة:
علقتها عرضًا وعلقت رجلًا ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل