ليس معنى التضمين الذي يحسن أن يتجنبه الشاعر أنه لا ينبغي اتصال الأبيات بعضها ببعض ولكن معناه ألا تتصل اتصالًا تكون فيه القافية معلقة بما بعدها متصلة به اتصالًا يفسد حسن الوقوف عند حرف الروي وما إليه وحسن الوحدة الترنمية في أداء الغناء وإيقاعه، كالذي رووا من قول النابغة:
وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إني
شهدت لهم موارد صادقات ... شهدن لهم بصدق الود مني
وقد عرف التبريزي التضمين في كتابه الوافي بأنه «أن تتعلق قافية البيت الأول بالبيت التالي كقول النابغة إلخ» فقوله هذا دل على أن التضمين عيب من عيوب القافية مرتبط بأسلوب صناعتها أكثر من ارتباطه بأمر معنى البيت كله وإلا لدخل في مدلول التضمين نحو قول طرفة: «وما زال تشرابي الخمور البيت» إلى قوله «البعير المعبد» في البيت التالي ونحن نعلم أنه لا يدخل. على أنه ليس قول النابغة هذا بمعيب حقًّا لمن تأمله. وقد كان مشهودًا لأبي أمامة أنه من الحذاق وأهل التجويد وذلك أن عجز بيته الأول يصيب تمامًا وحسن موقفٍ مع صدر البيت الذي يليه. وليس بممتنع على مترنم بهذين البيتين أن يكون ترنمه بنهما هكذا:
وهم وردوا الجفار على تميم
وهم أصحاب يوم عكاظ إني ... شهدت لهم موارد صادقات
شهدن لهم بصدق الود مني
وتحرص العربية في نثرها على أن تكون الفقرات التي يحسن السكوت عندها مكتملات المعاني مستقلات أو كالمستقلات، مع الذي بينها من الاتصال الوثيق والتشابك الذي تقتضيه طبيعة النثر. فلا عجب أن تكون العربية أحرص على بروز هذه الصفة في الشعر.