سقنا هذه الأمثلة على سبيل الدلالة وللاحتياج على أن الحرص أن يتم المعنى في البيت لا ينبئ بأن القصيدة من أجل هذا لا يجمع بين أطرافها روابط يستفاد منهن نمام معنى كلي. ولكنه أمر في حد ذاته من باب محسنات الكلام ومجودات الصناعة ومتممات قوة البيان. تأمل قول زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو ... وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضربتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها ... وتلقح كشافًا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
فتغلل لكم مالًا تغل لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم
ههنا كل بيت مستقل بمعناه في ذات نفسه ثم هو شديد الصلة بما يليه. وتأمل قول طرفة:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت أفراد البعير المعبد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربةٍ ... كميتٍ متى ما تعل بالماء تزبد
وكرى إذا نادى المضاف محنبًا ... كسيد الغضى نبهته المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف المعمد
أليس البيت الأول ههنا تامًّا في نفسه ومع ذلك هو موصول بالذي يليه، شاهد ذلك حرف الجر «إلى»، ثم قوله «رأيت بني غبراء» أي الصعاليك منسجم مع ما قبله متمم له، إذ لما تحامته العشيرة صار من الصعاليك، ثم هو عند نفسه وعن من