وذكر البلاذري في أنساب الأشراف أن أحد المكيين حضر الغداء عند عائشة بنت طلحة، فسألته- كيف تركت الأعرابي؟ فقال: بخير. ثم علم من بعد أنها إنما عنت الحرث بن خالد. فلما قدم مكة أخبره بسؤالها عنه. فقال البيتين اللذين مرا بك. وإنما سقنا لك هذا الخبر لنؤكد عندك ما نراه فيه من الكناية. وألاقحوانة موضع وهي أيضًا زهرة معروفة تشبه بها ثغور النساء. ومحل استشهادنا أن الحرث جعل الأقحوانة وهي رمز لعائشة منزلاً له، فكأنه جعل عائشة نفسها منزلاً له، وإنما أراد أنها مأوى فؤاده المأمول على بعد الدار وشحط المزار.
هذا ومن رموز الشوق والحنين ما يدخل في معنى الدار من معاني الخليط والجار والعهد وهلم جرا. قال الشنفري:
فيا جارتا وأنت غير مُليمة ... إذا ذُكرت ولا بذات تقلت
ونأمل أن نعرض بعد لتفصيل هذا الرمز في تائية الشنفري فيما يلي إن شاء الله.
ورمزية الديار والمعاهد واسعة المدى والأطراف، فالذي نذكره منها ههنا على سبيل التمثيل المجمل الموجز سيكون له تفصيل من بعد أو سيغني عنه وعما لم نذكره أو سنذكره ولا نفصل فيه، ما هو منه بمنزلة الشبيه والنظير.
وقال زهير:
بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا ... وزودوك اشتياقًا أية سلكوا
ويعجبني هذا البيت أيما عجب لأن الشاعر مزج فيه معنى الحنين الأصلي بمعنى الغزل الفرعي مزجًا محكمًا كأسمى ما يكون التعبير عن الوجد فقد ذكر الخليط وفقدان المأوى، واشتعال الشوق كما ترى. ثم إن هذا الخليط مما يكون كناية عن المحبوبة، كما يكون الإيواء كناية عن الوصل، وتزويد الشوق كناية عن الحرمان.