للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ زكنت هذا من مذهب زهير، فإنك واجد له في نسيبه نظائر، بعضها يخفى حتى لا تكاد تحس منه إلا موسيقا أثيرية ساخنة الأنفاس بعيدة الأصداء، وبعضها يداني الوضوح شيئا ما. فمن أمثلة الأول قوله:

لمِنْ طَلَلٌ برامة لا يريم ... عفا وخلاله حقُبٌ قديم

تحمَّل أهْلُه منْهُ فبانوا ... وفي عرصاته منْهم رسوم

يلُحْن كأَنَّهن يدا فَتاةٍ ... تُرجَّعُ في مَعاصمها الوُشُوم

وإنما يذكر يد الفتاة ذات الوشم حين تعالج القدر، ولعلها أم أوفى ولو قد كان يريد تشبيه الرسوم بالوشوم وحدها وهو المذهب النموذجي لكان قد استغنى عن ذكر اليدين أو كان جعله لاحقا بالوشوم لا مقدما عليها وهي تابعة له لاحقة به، وأنت تذكر قول طرفه في هذا الباب "تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد".

عفَا من آل لَيلَى بَطْنُ سَاقٍ ... فأَكْثِبَةُ العجائز فالقصيمُ

فهذا نص في أنه آنفا إنما كان يذكر الفتاة وعهد تجربة من النظر ولا يَبْغي مجرد نموذجيّ التشبيه.

تُطَالِعُنا خَيالاتٌ لسلْمَى ... كما يتطَلَّعُ الدَّيْنَ الغريمُ

وهي الدين وهو الغريم.

لَعمرُ أبيك ما هرمُ بْنُ سلْمى ... بملْحيٍّ إذا اللُّؤماءُ ليموا

وهذا الاقتضاب بينه وبين ما تقدم وثبة طويلة، والرابط الترنم باسم سلمى، كما يقع في باب تداعي المعاني وقد جمجم الشاعر ما في نفسه ليصل إلى العزاء عند صديقه الممدوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>