النموذج، قد احتاج معها إلى الأوصاف التي عدد في صدر البيت لتكتمل الصورة اكتمالاً حيًا. والهركولة هي الهيكلة الحسنة المشية والقوام، ولا أشك أنها تتضمن معنى الزهو البالغ والشعور بالسيطرة، لأنها كأنها مشتقة من «هرقل»، يدلك على ذلك قولهم «هُركِلةَ» و «هِرَكْلَةٌ» بمعنى «هركولة» والأوليان أقرب إلى الأصل الأعجمي. وهرقل من أنصاف الآلهة والأبطال اليونان، وقد صار علمًا من أعلام الملوك- فيكون معنى هركولة على هذا «كأنها هرقل». وليس العمد إلى مثل هذا مما يستبعد عن الأعشى وهو القائل:
وطوفت للمال آفاقه ... دمشق وحمص وأوريشلم
وزرت النجاشي في أرضه ... وأرض النبيط وأرض العجم
هذا وبعض هذه الأوصاف ألفاظ دالة على الحركة، تجري مجرى النماذج، إلا أنها أقوى إيحاء وأحمل لطابع الحيوية، مثل قولهم «تلوث مئزرها على كذا» و «نفج الحقيبة»«وينفج نهدها الثوب» و «يبهظ المفضل من أرادفها» إلى آخر ما قال المرار. وهذه تزيد حيويتها بحيوية ما تقع فيه من سياق، شأنها في ذلك شأن سائر ألفاظ اللغة مما يستعان به على البيان. قال حسان:
نفج الحقيبة بوصها متنضدٌ ... بلهاء غير وشيكة الأقسام
فجاء بنموذج الردف الثقيل في الصدر من بيته. ثم أتبعه أوصافًا وسمتها بما ذكره من أنها بلهاء، وأنها غير سريعة الضغب تستعجل بأقسامها لأدنى شك- وكل ذلك إشعار بسذاجتها وبراءتها وطيب نفسه وخفة روحها، وفيه بعدما لا يخفى من القصد إلى التحريك ونفخ الروح في الثقل الواني الذي مر آنفًا.
ونحو هذا كثير، ويدخل في باب المقاييس الجمالية، وباب تحريك التمثال، ومنه ما يدخل في القصص والالتفات القصصي وستجيء منه أمثلة تفي إن شاء الله.