القيس وهي منظومة حقة مشهود لها بالتبريز والتفوق بشهادة ابن الباقلاني نفسه بالرغم من تجنيه عليها كما تقدم، وإليك بعد، بعون الله البيان.
الشعر عند كلردج معناه الخلق والإبداع. وفي هذا نظر إلى أصل الاشتقاق عند اليونان، كما فيه المعنى الذي زعمه ابن الباقلاني من أن الفلاسفة كانوا يطلقون على «حكمائهم وأهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم بالشعر لدقة نظرهم في وجوه الكلام وطرق لهم في المنطق (ص ٧٦)». وفي سورة الأنعام:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ذكر محمد بن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية إن هذا القائل قد قال سأنزل ما أنزل الله من الشعر -أي (وهذا التعليق منا) الذي ليس كشعر العرب على الحقيقة، يقول هذا على وجه الاستهزاء. فكانت زنادقة قريش تلغو في القرآن وتقول إنه مفترى وإنه يكتتبه عمن زعموا له ذلك- قال تعالى:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان] وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ}[آية النحل]. وقد كنت أنبه طلبتي بجامعة الخرطوم، حرسها الله، أثناء الخمسين منذ سنة ١٩٥٤ م في معرض مختارات كنا ندرسها لطلبة العربية بكلية الآداب من رسالة الغفران إلى خبث مقالة أبي العلاء على لسان الملك يزجر ابن القارح لما مدحه (راجع ص ٢٥٢ من رسالة الغفران، دار المعارف تحقيق ابنة الشاطئ) بأنه يظن ما سمعه منه قرآن إبليس، كأنه يعارض بذلك مقال المولى سبحانه وتعالى:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} بقوله هذا لسان الشيطان نفسه الذي جعله ملكًا اسمه زفر (أخذه من معنى زفير أهل النار وتميز جهنم نفسها على الأرجح) إن الشعر قرآن غير إلهي، قرآن إبليسي. ثم وجدت نص ابن جرير رحمه الله ورضي عنه في تفسير آية الأنعام فعلمت أن أبا العلاء -عفا الله عنه- من هنالك أخذ وذلك الأخذ أخبث له، كأنه يعني أن القرآن شعر إلهي، وهو القول