وذلك أن الكنز فيه معنى الذهب، وكانت الكيمياء في ذلك الزمان إنها يجتهد أصحابها فيها من أجل أن يحولوا التراب وما أشبه ذهبا- أي هو الكنز وهو المنى والمعجزة وهو الإكسير.
وانتقل البوصيري إلى نفس الدعوة وما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من إباء من أبى وعنادهم. وعلل هذا الإباء بالرغم من المعجزات، وعدد من المعجزات ثم ذكر انتصار الدعوة وظهور الحق- هذا الانتقال السريع من أول الدعوة إلى معجزاتها فانتصارها أفعل من حيث التأثير الشعري.
ثم قام النبي يدعو إلى اللـ ... ـه وفي الكفر نجدة وإباء
أمما أشربت قلوبهم الكفـ ... ـر فداء الضلال فيهم عياء
ورأينا آياته فاهتدينا ... وإذا الحق جاء زال المراء
هذا من باب الحمد والشكر لله أن لم يجعلنا ممن حضروا الكفر فأشربوه، وانتقال الشاعر من زمان أبي جهل إلى زمانه هو جيد بالغ.
رب إن الهدى هداك وآيا ... تك نور تهدي بها من تشاء
كم رأينا ما ليس يعقل قد ألـ ... ـهم ما ليس يلهم العقلاء
وعلل هذه الحكمة بقوله:
إذ أبى الفيل ما أتى صاحب الفيـ ... ـل ولم ينفع الحجا والذكاء
وإباء الفيل معجزة كانت عند مولده عليه الصلاة والسلام. ثم ذكر تحية الحجر له وحنين الجذع وأمر الغار والعنكبوت والحمامة فصار إلى ذكر الهجرة:
والجمادات أفصحت بالذي أخـ ... ـرس عنه لأحمد الفصحاء
ويح قوم جفوا نبيًا بأرض ... ألفته ضبابها والظباء
وسلوه وحن جذع إليه ... وقلوه ووده الغرباء
قلوه: أبغضوه، وقد وده أهل المدينة وآووه صلى الله عليه وسلم.
أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحامة الحصداء
أي ذات الجناح والريش وفيه معنى الرأي السديد من قولهم رأي محصد وجاء بهذا النعت من قولهم شجرةً حصداء أي كثيرة الورق ودرع حصداء أي محكمة النسج