الزيات والصولي مشتهرين بالشعر. وكان ابن الرومي كاتبًا كما كان شاعرًا.
مذهب هاتين القصيدتين ليس من مذهب شعراء العصر العباسي والمولدين من بعد، السالك طريقة الكتاب. لأن مذهب هؤلاء سنخه سنخ القصيدة. حتى ما جيء به تعليميًا فلسفيًا نحو.
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تعزز وتمنع
وزينبية صالح بن عبد القدوس ولزوميات المعري- كل ذلك قصيدي السنخ القصيدة أساسه ومنبته الذي فيه واشجة جذوره. أما هاتان القصيدتان فسنخهما شيء مختلف سنخهما كالمقالة الصحفية العصرية التي كانت الأقلام قد استطرفتها وأخذت بها أيام النهضة وجعلتها من عدة النضال والإقبال على تناول حضارة العصر المتمثلة في تفوق أوروبا تفوقًا بالنسبة إليه حال جميع العرب وبلاد الإسلام حال رجعية وتخلف.
لم يكن إسماعيل صبري ومطران إلا من الطبقة الثانية من شعراء النهضة- أسلوب المقالة الصحفية العصرية الذي في هاتين القصيدتين من نظمهما هو المهيمن على شوقي وحافظ وتفرعت منه شتى فروع النظم الحديث من بعد.
للبارودي كلمة نظمها في هرمي الجيزة هي التي مطلعها
سل الجيزة الفيحاء عن هرمي مصر ... لعلك تدري غيب ما لم تكن تدري
فيها وحدة الموضوع، وجودة الترتيب، وكأنه بها كالسابق إلى هذا الأسلوب المقالي، ولكن تغلغل روح القصيدة في ملكة بيان البارودي وشاعريته أبت عليه إلا أن يكون هو المهيمن على جملة معدن الأسلوب وسنخه- تأمل قوله:
مصانع فيها للعلوم غوامض ... تدل على أن ابن آدم ذو قدر
رسا أصلها وامتد في الجو فرعها ... فأصبح وكرًا للسماكين والنسر
فقم نغترف خمر النهي من دنانها ... ونجن بأيد الجد ريحانة العمر
ألا تحس هنا رنة من قول المعري
رآها سليل الطين والشيب شامل ... لها بالثريا والسماكين والوزن