فيها تفاصيل متعددة متباينة، والسمع يدركها متباينة، ثم هو بعد ذلك يجمع بينها وبين كل النغمة، ويدرك جميع ذلك كأنه كل واحد.
هذا، ولعلك تتساءل: كيف أمكن لعامل الانسجام أن يوحد بين المتباينات من تفاصيل الشي، ويجعلها مع الشيء نفسه "كلا" واحدًا؟ وأجيب عن هذا بدءًا بالتنبيه على ألا يفهم من الانسجام وتسميتنا إياه عاملا، أنه شيء منفصل، يضاف إلى المتباينات فيجمعها، كما يضاف الوسيط إلى بعض المواد، فيحدث من جراء إضافته التفاعل الكيماوي. كلا. فالانسجام هو سر ينبعث من نفس طبيعة الوحدة والتباين. ونقيضه الاضطراب والتشويش. وعن التشويش والاضطراب يكون القبح.
ويكون الانسجام من توازن أجزاء الكل الواحد. وهذا التوازن ينشأ من أمرين:(١) تكرار وحدة الكل- وأعني بالوحدة هنا الجزي الأساسي. (٢) وتنويع هذه الوحدة. ألا ترى إلى المرئيات الجميلة، إنما تكون كلها عبارة عن خطوط تتوازي وتتقاطع، ودوائر تتكرر في نظام خاص، وزخارف إنما هي مكونة من
خطوط ودوائر وما إلى ذلك، قد كررت ونوعت. فالوحدة إما الخط، وإما الدائرة، وإما شيء من نوعهما. والتكرار هو إعادتك للوحدة التي بدأت بها على نظام مخصوص والتنويع هو أن تستبدل الوحدة بعد فترة، بوحدة أخري مباينة لها شيئًا يسيرًا وتعيد هذا النسق فيما بعد. ويكون الحاصل وحدة زخرفية قوام الوحدة فيها هو التكرار. وقوام الانسجام فيها هو التنويع، وانطواؤه في سجل التكرار.
والحق أن التكرار من أعمق ظواهر الحياة. أليس الليل والنهار يتكرران؟
أليس النفس يتكرر؟ أليس خفق القلب ودورة الدم، كل ذلك يتكرر؟ والتنويع يمنع الرتابة، خذ مثلا على ذلك هذا الحرف: تن واجعله بمثابة الوحدة. لو كررت تن تن