للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجيئها مع الهمزة شين، وقد يقع في الشعر الحسن، فيوشك أن يكدره، كما في قول ابن الخطيم:

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها (١)

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها

ومجيء الفتح مع حرف الحلق -ماعدا الهاء- قبيح للغاية، ويسبب البحة في الإلقاء. وقد جاء به أبو نواس وغيره مع الحاء، فقل إحسانهم فيه، ويحسبك أن تسمع: "آحا، آحا، آحا" مرتين أو ثلاثًا لتميل.

والهمزة والعين أقبح كثيرا من الحاء، مع حركه الفتح، ولا يأتي بها في قصائد طويلة إلا سقيم الذوق، وقد حاء ابن الرومي بالهمزة المفتوحة في قصيدته الطويلة الفاترة " أيها القاسم القسيم رواء" وجاء بها البحتري في كلمه على هذا الروي (٢)، ولا أدري ما دعاه إلي ذلك وهو سليم الذوق.

والضمة والكسرة متقابلتان، وهما أكثر شيء في الشعر، وأعنى بقولي "متقابلتان" أن بينهما نوعًا من ضدية. فالضمة حركة تشعر بالأبها والفخامة، والكسرة تشعر بالرقة واللين. ومن تأمل الشعر العربي، وجد أرق قصائده مكسورات الروي في الغالب، وأفخمها مضموماته في الغالب، ووجد شعراء الرقة يملون إلى استعمال الكسر، وشعراء الفخامة يملون إلى الضم. زهير مثلا يجيد في مضموماته أكثر من مكسوراته، ومعلقته ليست فيما أرى من جيده البالغ (٣). وأمرؤ القيس يحسن في الكسر أكثر من الفتح. والفرزدق ميال إلى الضم، وجرير إلي الكسر، والمتنبي إلي الضم، والبحتري إلي الكسر، والشعراء المعاصرون يكثرون


(١) الشعاع: رشاش الدم.
(٢) أول قصيدة في ديوانه المرتب على الحروف.
(٣) هذا من آراء الشباب ومعلقة زهير من الروائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>