للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من صنوف العلوم كالمذاهب والمنطق واللغة والتقويم والمعاجم والتراجم والتواريخ.

أما سائر أساليب النثر العربي فقد انساقت في الطريق الذي سلكه الحديث والخطباء والبلغاء وأصحاب الرسائل وأوائل الوزراء من إيثار الإيقاع وتجويد النغم ونجم في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث كتاب قد انتهى إليهم من تراث البيان العربي قدر عظيم، وحباهم الله من الملكة قدرًا عظيمًا فنحوا بهذا الإيقاع والنغم المجرد إلى محض الإتقان والأحكام فيما غروا به من السجع والازدواج. وعلى رأس هؤلاء عمرو بن بحر الجاحظ. وقد كان يحتفل لإرسال اللفظ متدفعًا تدفع الأمواج، ومنطلقًا انطلاق التيار، كما كان يحتفل لسوق المعاني متتابعات متدرجات متساويات أولها فرط لآخرها، وأواخرها نتائج لأوائلها. فيجمع من الاحتفالين وشيًا منمنًا، وفصوصًا كفصوص العقود، تبهر النفوس وتروع القلوب. تأمل مثلاً قوله في كتاب البخلاء. على لسان خالد بن يزيد يوصي ابنه (١):

«ولست أرضاك وإن كنت فوق البنين. ولا أثق بك وإن كنت لاحقًا بالآباء. لأني لم أُبالغ في محنتك. إني قد لابست السلاطين والمساكين. وخدمت الخلفاء والمكدين. وخالطت النساك والفتاك. وعمرت السجون، كما عمرت مجالس الذكر. وحلبت الدهر أشطره. وصادفت دهرًا كثير الأعاجيب.

ولم أحمد نفسي على جمعه. كما حمدتها على حفظه. لأن بعض هذا المال لم أنله بالحزم والكيس.


(١) كتاب البخلاء للجاحظ تحقيق طه الحاجري، القاهرة- ٨: ١٩/ ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>