للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَعُوْنَةً، وَوَضَعُوا السَّيْفَ والسَّوْطَ عَلَى ذلِكَ، فَدَرَسَ عَلَمُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ وأَوْهَنُوهُمَا، فَصَارُوا مَكْتُوْمِيْنِ؛ لإظْهَارِ البِدَعِ والكَلَامِ فِيْهَا، ولِكَثرَتِهِمْ، فاتَّخَذُوا المَجَالِسَ، وأَظْهَرُوا آرَاءَهُمْ وَوَضَعُوا فِيْهَا الكُتُبَ، وأَطْغَوْا النَّاسَ، وطَلَبُوا لَهُم الرِّيَاسَةِ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيْمَةٌ، لَمْ يَنْجُ إلَّا مَنْ عَصَمَ الله، فأَدْنَى مَا كَانَ يُصِيْبُ الرَّجُلَ في مُجَالَسَتِهِمْ أَنْ يَشُكَّ في دِيْنِهِ، أَوْ يُتَابِعَهُمْ، أَوْ يَرَى رَأَيَهُم عَلَى الحَقِّ، ولَا يَدْرِيْ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ أَوْ عَلَى بَاطِلٍ، فَصَارَ صَاكًّا شَاكًّا، فَهَلَكَ الخَلْقُ، حَتَّى كَانَتْ أَيَّامُ جَعْفَرٍ -الَّذِي يُقَالُ لَهُ المُتَوَكِّلُ- فَأَطْفَأَ اللهُ بِهِ البِدَعَ، وأَظْهَرَ بِهِ الحقَّ، وأَظْهَرَ أَهْلَ السُّنَّة، وطَالَتْ أَلْسِنَتُهُمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ وكَثْرةِ أَهْلِ البِدَعِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فالرَّسْمُ والبِدَعُ وأَهْلُ الضَّلَالَةِ قَدْ بَقِيَ مِنْهُمْ قَوْمٌ يَعْمَلُوْنَ بِهَا، ويَدْعُوْنَ إِلَيْهَا، لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُمْ، ولَا حَاجِزَ يَحْجُزُهُمْ عَمَّا يَقُوْلُوْنَ وَيَعْمَلُونَ.

واعْلَمْ أَنَّه لَمْ تَجيءْ زَنْدَقَةٌ قَطُّ إلَّا مِنَ الهَمَجِ الرَّعَاعِ، واتِّبَاعَ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيْلُونَ مَعَ كُلِّ رَيْحٍ، فَمَنْ كَانَ هكَذَا فَلَا دِيْنَ لَهُ، قَالَ اللهُ ﷿ (١): ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [وَقَالَ تَعَالَى:] (٢) ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ (٣) وهُمْ عُلمَاءُ السُّوْءِ، أصْحَابُ الطَّمَعِ.

واعْلَمْ أَنَّه لَا يَزَالُ النَّاسُ في عُصَابَةٍ مِنْ أَهْلِ الحَقِّ والسُّنَّةِ، يَهْدِيْهِمْ


(١) سورة الجاثية، الآية: ٣١.
(٢) ساقط من (ط).
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢١٣.