جاء في "تاريخ مدينة دمشق" و"معجم الأُدباء" وغيرهما: "كان بقيٌّ أولَ من كثَّر الحَدِيْثَ بالأندلسِ ونَشَرَهُ، وهاجَمَ به شُيُوخ الأندلس فثارُوا عليه؛ لأنَّهم كان علمهم بالمَسَائِلِ ومذهب مَالكٍ، وكان بقيٌّ يَفتي بالأثرِ ويَشُذُّ عنهم شُذُوْذًا عَظِيْمَا، فعَقَدُوا عليه الشَهَادَاتِ، وبدَّعوه، ونَسَبُوا إليه الزَّنْدَقة وأشياء نَزَّهَهُ اللهُ منها". وعَرَضَ ابنُ الفَرَضِيِّ هذه القَضِيَّة عرضًا أكثرَ وُضُوحًا فقال: "ملأ بقيُّ بنُ مَخلدٍ الأندلسَ حَدِيثًا، فأنكرَ عليه أصحابُهُ الأندلسيُّون؛ ابنُ خالدٍ، ومحمد بن الحارث، وأبو زيد، ما أدخله في كُتُب الاختلاف وغرائب الحديث، فأغروا به السُّلطان وأخافوه به، ثم إنَّ الله أظهره عليهم وعَصَمَه فَنَشَرَ حديثَهُ وقرأ للنَّاسِ روايَتَهُ، فمن يومئذٍ انتشرَ الحديثُ بالأندلسِ، ثم تلاه ابنُ وضَّاحٍ فصارت الأندلسُ دارَ حديثٍ". وكان بَقِيٌّ يقول: "لقد غَرَسْتُ لهم بالأندلسِ غرْسًا لا يُقلع إلاَّ بخروج الدَّجال"؟! وكان سُلطان الأندلسِ آنذاك مُحَمَّد بن عبد الرَّحمن الأُمَويُّ مُحِبًّا للعُلُومِ، عَارفًا، فَلَمَّا دَخَلَ بقيٌّ الأندَلُسَ بـ "مصنَّف ابن أبي شيبة" وأنكر عليه جماعةٌ من أهل الرأي ما فيه من الخلاف، واستبشعوه، ونشَّطُوا العامةَ عليه، ومنعوه من قراءته، فاستحضره الأمير مُحَمَّد المذكور، وأتاهم وتصفَّح الكتابَ كُلَّه جُزْءًا جُزْءًا حتى أتى على آخره، ثم قال لخَازِنِ الكُتُبِ: هذا كتابْ لا تَستغني خزانتنا عنه، فانظر في نسخه لنا، وقال لبَقِيٍّ: انشر علمك، وأروِ ما عندك، ونَهَاهُمْ أن يَتَعَرَّضُوا له". (١) وشَهِدَ له بالفَضْلِ والتَّقَدُمِ الإمامُ أبو مُحمَّدٍ عليُّ بن أحمد بن حَزْمٍ الأنْدَلُسِيُّ الظَّاهِرِيُّ - فيما نقله ابن بشكوال وغيره - قال ابنُ بشكوال في "الصِّلةِ": "قال لنا أبو محمَّدٍ عليُّ بن أحمد: =