وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشِّعاب فُرادى ومثنى، وكانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين قبل الهجرة. فلم يحتج علي رضي الله عنه أن يُدعى، ولا كان مشركاً حتى يوحد فيقال أسلم، بل كان - عندما أوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - عمرهُ ثماني سنين؛ وقيل سبع سنين، وقيل إحدى عشرة سنة. وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله بين أهله كأحدِ أولاده يتبعه في جميع أحواله. وكان أبو بكر رضي الله عنه أول من أسلم ممن له أهلية الذبُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحماية والمناصرة. هذا هو التحقيق في المسألة لمن أنصف وترك الهوى من الفريقين. أي: الذين يقدم أحدهما إسلام أبي بكر، والآخر إسلام علي رضي الله عنهما.
وقال صاحب الرحيق المختوم:
ومن أوائل المسلمين: بلال بن رباح الحبشي، ثم تلاهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر ابن الجراح من بني الحارث بن فهر، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم المخزوميان، وعثمان بن مظعون وأخواه قُدامة وعبد الله، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد العدوي، وامرأته فاطمة بنت لاخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت، وعبد الله بن مسعود الهُذلي وخلق سواهم، وأولئك هم السابقون الأولون، وهم من جميع بطون قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً. وفي ذكر بعضهم في السابقين الأولين نظر.
قال ابن إسحاق: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتُحدث به.
أسلم هؤلاء سراً، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم ويرشدهم إلى الدين متخفياً لن الدعوة كانت لا تزال فردية وسرية، وكان الوحي قد تتابع وحمي نزوله بعد نزول أوائل المدثر. وكانت الآيات وقطع السور التي تنزل في هذا الزمان آيات قصيرة، ذات فواصل رائعة منيعة، وإيقاعات هادئة خلابة تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق، تشتمل على تحسين تزكية النفوس، وتقبيح تلويثها برغائم الدنيا، تصف الجنة والنار كأنهما رأي عين، تسير