بالمؤمنين في جو آخر غير الذي فيه المجتمع البشري آنذاك.
وتعليقاً على سرية الدعوة في السنين الثلاثة الأولى للدعوة قال الدكتور البوطي:
وبناءً على ذلك فإنه يجوز لأصحاب الدعوة الإسلامية في كل عصر أن يستعملوا المرونة في كيفية الدعوة - من حيث التكتم والجهر، أو اللين والقوة - حسبما يقتضيه الظرف وحال العصر الذي يعيشون فيه. وهي مرونة حددتها الشريعة الإسلامية اعتماداً على واقع سيرته صلى الله عليه وسلم ... على أن يكون النظر في كل ذلك إلى مصلحة المسلمين ومصلحة الدعوة الإسلامية.
ومن أجل هذا أجمع جمهور الفقهاء على أن المسلمين إذا كانوا من قلة العدد أو ضعف العدة بحيث يغلب على الظن أنهم سيقتلون من غير أي نكاية في أعدائهم، إذا ما أجمعوا قتالهم، فينبغي أن تقدم هنا مصلحة حفظ النفس، لأن المصلحة المقابلة وهي مصلحة حفظ الدين موهومة أو منفية الوقوع.
ويقر العز بن عبد السلام حرمة الخوض في مثل هذا الجهاد قائلاً:
فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة. ليس في طيها مصلحة.
وتقديم مصلحة النفس هنا من حيث الظاهر فقط، أما من حيث حقيقة الأمر ومرماه البعيد، فإنها في الواقع مصلحة دين، إذ المصلحة الدينية تقتضي - في مثل هذه الحال - أن تبقى أرواح المسلمين سليمة لكي يتقدموا ويجاهدوا في الميادين المفتوحة الأخرى. وإلا فإن هلاكهم يعتبر إضراراً بالدين نفسه وفسحاً للمجال أمام الكافرين ليقتحموا ما كان مسدوداً أمامهم من السبل. أهـ.
أقول: إن صاحب الدعوة لابد أن يعطيها فرصة لتتمكن في الأنفس فلا تؤثر فيها الأعاصير، قدر لو أن الرعيل الأول انشغل بغير التكوين النفسي فكيف سيكون قادراً على الصبر والتحمل إذا جاءت المحنة؟ وكيف يستطيع مقارعة الباطل وشبهه؟ وهل يستطيع صهر المستجيبين وحمل الدعوة؟.