أعلم. وأما قوله يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فإن عماراً وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة، وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به، وأن يكون الناس أوزاعا (١) على كل قطر إمام برأسه، وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة واختلاف الأمة فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم، وإن كانوا لا يقصدونه، والله أعلم.
ونختم هذا الفصل بكلمة للشيخ الغزالي وأخرى للسباعي حول بدئه عليه الصلاة والسلام أول استقراره في المدينة ببناء المسجد.
قال الشيخ الغزالي حفظه الله:
بادر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى بناء المسجد، لتظهر فيه شعائر الإسلام التي طالما حوريت، ولتقام فيه الصلوات التي تربط المرء برب العالمين، وتنقي القلب من أدران الأرض، ودسائس الحياة الدنيا.
وتم المسجد في حدود البساطة، فراشه الرمال والحصباء وسقفه الجريد، وأعمدته الجذوع، وربما أمطرت السماء فأوحلت أرضه، وقد تفلت الكلاب إليه فتغدو وتروح.
هذا البناء المتواضع الساذج، هو الذي ربى ملائكة البشر، ومؤدبي الجبابرة وملوك الدار الآخرة، في هذا المسجد أذن الرحمن لنبي يؤم بالقرآن خير من آمن به، يتعهدهم بأدب السماء من غبش الفجر إلى غسق الليل.
إن مكانة المسجد في المجتمع الإسلامين تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي فهو ساحة للعبادة، ومدرسة للعلم؛ وندوة للأدب وقد ارتبطت بفريضة الصلاة وصفوفها أخلاق وتقاليد هي لباب الإسلام.
والمسجد الذي وجه الرسول صلى الله عليه وسلم همته إلى بنائه قبل أي عمل آخر بالمدينة، ليس أرضاً تحتكر العبادة فوقها؛ فالأرض كلها مسجد، والمسلم لا يتقيد في عبادته بمكان.
إنما هو رمز لما يكتثر له الإسلام أعظم اكتراث، ويتشبث به أشد تشبث، وهو وصل