للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعمل هو أشبه بأعمال القرصنة، فإنه دخل في ضواحي المدينة في الليل مستخفياً تحت جنح الظلام، فأتى حُيي بن أخطب، فاستفتح بابه، فأبى وخاف فانصرف إلى سلام بن مشكم - سيد بني النضير، وصاحب كنزهم إذ ذاك - فاستأذن عليه فأذن. فقراه وسقاه الخمر، وبطن له من خبر الناس، ثم خرج ابو سفيان في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث مفرزة منهم، فأغارت على ناحية من المدينة يقال لها "العُرَيْض"، فقطعوا وأحرقوا هناك أسواراً من النخل، ووجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له في حرث لهما فقتلوهما، وفروا راجعين إلى مكة.

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فسارع لمطاردة أبي سفيان وأصحابه، ولكنهم فروا ببالغ السرعة، وطرحوا سويقاً (١) كثيراً من أزوادهم وتمويناتهم يتخففون به، فتمكنوا من الإفلات، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرقرة الكدر (٢)، ثم انصرف راجعاً، وحمل المسلمون ما طرحه الكفار من سويقهم، وسموا هذه المناوشة بغزوة السويق. وقعت في ذي الحجة سنة ٢ هـ بعد بدر بشهرين، واستعمل على المدينة في هذه الغزوة أبا لبابة بن عبد المنذر. أهـ.

* * *

* وهكذا نجد في هذه السنة تلاحم عملية البناء للأمة مع الحركة السياسية والعسكرية على أشدها فالمسلمون في حركة عسكرية دائمة، ومع هذه الحركة حركة سياسية تظهر بالتحالفات وقطع الطريق على تألب الأعداء أو غدرهم مع تنزل التشريع شيئاً فشيئاً بما يعمق الوحدة وينير الطريق لتقوم صروح التشريع الإسلامي على أرضية الواقع والخلود.

* وبسبب من الانتصارات في هذه السنة فقد دخل مشركو المدينة في الإسلام، فمنهم صادق ومنهم كاذب ومن ههنا بدأت ظاهرة النفاق في المدينة المنورة.

* ومن خلال الحركة السياسية والعسكرية ندرك أن: الحكم والدولة والسياسة تحتاج إلى يقظة وسهر دائم وأخذ بالأسباب وقوة مبادرة وكل ذلك نجده في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على


(١) السويق: أن تحمص الحنطة أو الشعير أو نحو ذلك ثم تطحن ثم يسافر بها وقد تمزج باللبن والعسل والسمن وإلا فبالماء.
(٢) قرقرة: الكدر: موضع بناحية المعدن، بينها وبين المينة ثمانية فرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>