الْأَصْحَابِ، قَالُوا فِي الْحَجِّ: لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ قَبُولُ السُّتْرَةِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
(وَيُكَافِئُ) الْمُهْدِيَ لَهُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(أَوْ يَدْعُو لَهُ) ؛ أَيْ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا، فَلْيَذْكُرْهَا، وَيُثْنِي عَلَى صَاحِبِهَا الَّذِي أَهْدَاهَا (نَدْبًا فِيهَا) ؛ أَيْ: فِي حَالِ الْمُكَافَأَةِ وَغَيْرِهَا، فَيَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «مَنْ أَعْطَى عَطَاءً، فَوَجَدَ؛ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَلِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَيُقَدَّمُ فِي الْهَدِيَّةِ الْجَارُ الْقَرِيبُ بَابُهُ عَلَى الْبَعِيدِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: قَالَتْ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي جَارَيْنِ فَلِأَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا» .
وَيَجُوزُ رَدُّهَا لِأُمُورٍ، مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَخْذَهَا بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ: «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعْنِي جَمَلَك هَذَا. قَالَ قُلْت: لَا بَلْ هُوَ لَك. قَالَ: لَا بَلْ بِعْنِيهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَوْ يَكُونُ الْمُعْطِي لَا يَقْنَعُ بِالثَّوَابِ الْمُعْتَادِ؛ لِمَا فِي الْقَبُولِ مِنْ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ، أَوْ تَكُونُ الْهَدِيَّةُ بَعْدَ السُّؤَالِ وَاسْتِشْرَافِ النَّفْسِ لَهَا؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ: «إذَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» . وَإِشْرَافُ النَّفْسِ فَسَّرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِأَنَّهُ تَطَلُّبٌ لِلشَّيْءِ، وَارْتِفَاعٌ لَهُ، وَتَعَرُّضٌ إلَيْهِ، أَوْ لِقَطْعِ الْمِنَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْآخِذِ فِيهِ مِنَّةٌ، وَقَدْ يَجِبُ رَدُّ الْهِبَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا إذَا عَلِمَ) الْمُهْدَى لَهُ (أَنَّهُ) ؛ أَيْ: الْمُهْدِي (أَهْدَى حَيَاءً فَيَجِبُ الرَّدُّ) ؛ أَيْ: رَدُّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْآدَابِ ": وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ فِي الْعُقُودِ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَةٌ، وَكَذَا يَجِبُ رَدُّ هَدِيَّةِ صَيْدٍ لِمُحْرِمٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَدَّ عَلَى الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ هَدِيَّةَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، وَقَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute