فَهَذَا حَالِفٌ لَيْسَ بِمُوقِعٍ، وَهَذَا هُوَ الْحَلِفُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ الَّذِي تُجْزِئُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَالنَّاسُ قَدْ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الَّذِي فِي مَعْنَاهَا، فَإِنَّ هَذَا وَهَذَا سَوَاءٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى.
قُلْت: هَذَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ فَاتَّقِ اللَّهَ تَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْنَحَ لِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَتُلْقِي نَفْسَك فِي الْمَهَامِهِ وَالْأَتْعَابِ، فَإِنْ طَعَنَ عَلَى الشَّيْخِ مُتَحَذْلِقٌ مِنْ حَيْثُ إفْتَاؤُهُ بِهَذَا الْفَرْعِ وَفِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلْيَطْعَنْ عَلَى مَنْ رُوِيَ عَنْهُمْ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَعَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ، وَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَأَسْعَدُ بْنُ الْخَبَّابِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الشَّيْخَ مُجْتَهِدٌ، وَلَا يَجُوزُ الطَّعْنُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِمَّا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ الْبَزَّارُ: قَدْ أَكْثَرَ فِي حَقِّ الشَّيْخِ مِنْ أَقَاوِيلِ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ مَنْ ظَاهِرُ حَالِهِ الْعَدَالَةُ وَبَاطِنُهُ مَشْحُونٌ بِالْفِسْقِ وَالْجَهَالَةِ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مُتَعَاضِدِينَ فِي عَدَاوَتِهِ، بَاذِلِينَ وُسْعَهُمْ بِالسَّعْيِ فِي الْفَتْكِ بِهِ، مُتَخَرِّصِينَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ الصَّرِيحَ مُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ وَنَاسِبِينَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَنْقُلْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ بِهِ خَطٌّ، وَلَا وُجِدَ لَهُ فِي تَصْنِيفٍ وَلَا فَتْوَى، وَلَا سُمِعَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ، وَسَبَبُ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ الْأَكْبَرَ طَلَبُ الْجَاهِ وَالرِّئَاسَةِ وَإِقْبَالِ الْخَلْقِ، وَقَدْ رَقَّاهُ اللَّهُ ذُرْوَةَ السَّنَامِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَوْقَعَ اللَّهُ لَهُ فِي قُلُوبِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ الْمَوَاهِبِ الَّتِي مَنَحَهُ بِهَا؛ وَهُمْ عَنْهَا بِمَعْزِلٍ، فَنَصَبُوا عَدَاوَتَهُ، وَامْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ بِمُحَاسَدَتِهِ، وَأَرَادُوا سَتْرَ ذَلِكَ عَنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَفْطِنَ بِهِمْ، فَعَمَدُوا إلَى اخْتِلَاقِ الْبَاطِلِ وَالْبُهْتَانِ عَلَيْهِ، وَالْوُقُوعِ فِيهِ خُصُوصًا عِنْدَ الْأُمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ، وَإِظْهَارِهِمْ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ بِمَا يُفْتِي مِنْ الْحَلَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute