مَا لَوْ قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ أَوْ أُنْمُلَتَهُ فَمَاتَ؛ وَرَبْطًا لِلْحُكْمِ بِكَوْنِهِ مُحَدَّدًا، لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْحُكْمِ فِي آحَادِ صُوَرٍ مَظِنَّةٌ، بَلْ يَكْفِي احْتِمَالُ الْحِكْمَةِ، وَلِأَنَّ الْعَمْدَ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ اتِّحَادِ الْآلَةِ وَالْفِعْلِ بِسُرْعَةِ الْإِفْضَاءِ وَإِبْطَائِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً، وَهَذَا لَهُ سِرَايَةٌ وَمَوْرٌ؛ فَأَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ، أَوْ كَانَ جَرَحَهُ بِشَيْءٍ صَغِيرٍ كَغَرْزِهِ بِإِبْرَةٍ أَوْ شَوْكَةٍ (فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ) ؛ أَيْ: الْقَلْبِ (وَالْخُصْيَتَيْنِ) وَالْخَاصِرَةِ وَالصُّدْغِ، وَأَصْلِ الْأُذُنِ (أَوْ لَا) يَكُونُ جَرَحَهُ فِي مَقْتَلٍ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ فِي (فَخِذٍ وَيَدٍ فَتَطُولُ عِلَّتُهُ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ يَصِيرُ مُتَأَلِّمًا حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ) فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِ الْجَانِي (وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قَادِرٌ) عَلَى مُدَاوَاةِ (جُرْحِهِ) حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، بَلْ وَلَا مُسْتَحَبٍّ.
(وَمَنْ قَطَعَ) ؛ أَيْ: أَبَانَ سِلْعَةً خَطِرَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مُكَلَّفٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ (أَوْ بَطَّ) ؛ أَيْ: شَرَطَ (سِلْعَةً) بِكَسْرِ السِّينِ، وَهِيَ غُدَّةٌ تَظْهَرُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ إذَا غُمِزَتْ بِالْيَدِ تَحَرَّكَتْ (خَطِرَةً) لِيُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ مَادَّةٍ (مِنْ مُكَلَّفٍ بِلَا إذْنِهِ، فَمَاتَ) مِنْهُ (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ جَرَحَهُ بِلَا إذْنِهِ جُرْحًا لَا يَجُوزُ لَهُ؛ فَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ حَيْثُ تَعَمَّدَهُ كَغَيْرِهِ، وَلَا قَوَدَ إنْ قَطَعَهَا أَوْ بَطَّهَا (وَلِيٌّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَغِيرٍ لِمَصْلَحَةٍ) وَمِثْلُهُ حَاكِمٌ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ خَتَنَهُ فَمَاتَ.
الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثْقَلٍ) كَبِيرٍ (فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ) الَّذِي تَتَّخِذُهُ الْعَرَبُ لِبُيُوتِهَا فِيهِ رِقَّةٌ وَرَشَاقَةٌ (لَا) بِمُثْقَلٍ (كَهُوَ) ؛ أَيْ: عَمُودَيْ الْفُسْطَاطِ نَصًّا.
(وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بَيْتُ الشَّعْرِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ جَارَتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا، قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَأَنَّ الْعَمْدَ يَكُونُ بِمَا فَوْقَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute