يزيد بن رومان، عمن أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ جَالِسًا وَحْدَهُ، فَقُمْتُ أنظر إليه وهو لا يراني، وأقول: ماخلا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا وحده إلا وهو على حاجة أوعلى وحي، فجعلت أؤامر نَفْسِي أَنْ آتِيهِ، فَأَبَتْ نَفْسِي إِلَّا أَنْ آتِيهِ، فَجِئْتُ فَسَلَّمْتُ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَجَلَسْتُ طَوِيلًا لَا يَلْتَفِتُ إليَّ وَلَا يُكَلِّمُنِي، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - مجالستي، ثم التفت إليَّ فقال: يا أباذر، فقلت: لبيك وسعديك. قالت: ركعت الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ، فَقُمْتُ فَرَكَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ عُدْتُ فَجَلَسْتُ، فمكثت طويلا لا يكلمني، فقلت: قدكره رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَالَسَتِي، ثم التفت، فقال: يا أباذر قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: اسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شر شياطين الإنس والجن، فقلت: بأبي أنت وأمي، وللإنس شياطين؟ قالت: أَلَيْسَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: {شَيَاطِينَ الإِنْسِ والجن يوحي بعضهم إلى بعض ... } الاية" ثم التفت فقال: يا أباذر قُلْتُ: لَبَّيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ: قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ أَضْرَبَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يتكلم حتى طال ذلك منه ائتنفت الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلَاةِ، فَمَا الصَّلَاةُ؟ قَالَ: خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ، قُلْتُ: يَا رسول الله فما الصوم؟ قال: فرض مجزي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الصَّدَقَةُ؟ قَالَ: أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللَّهِ الْمَزِيدُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَأَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ أُهْرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدُ مُقِلٍّ وَالسِّرُّ إِلَى الْفَقِيرِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ أجد ما أتصدق به قال: تعين ضعيفًا وتصنع لأخرق، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟ قَالَ: فَتَكُفَّ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَسَنَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ.
قَالَ: وَتَدْرِي مَا مَثَلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الْكُرْسِيِّ؟ قُلْتُ: لَا، إِلَّا أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: مَثَلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الْكُرْسِيِّ كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ، وَإِنَّ فَضْلَ الْكُرْسِيِّ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلَقَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute