. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْمُوبِقَاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا مِنْ الذُّنُوبِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» قَالَ النَّوَوِيُّ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ:
(أَحَدُهُمَا) تُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِشَرْطِ أَلَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرُ لَمْ يُكَفَّرْ شَيْءٌ لَا الْكَبَائِرُ وَلَا الصَّغَائِرُ وَ (الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ وَتَقْدِيرُهُ تُغْفَرُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى.
(السَّادِسَةُ) فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «فَمَنْ قَامَهَا ابْتِغَاءَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ثُمَّ وُفِّقَتْ لَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» . فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَفِيهِ زِيَادَةُ «وَمَا تَأَخَّرَ» وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ مَعْنَى مَغْفِرَةِ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «صِيَامُ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» فَتَكْفِيرُ السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ كَمَغْفِرَةِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا ارْتَكَبَ فِيهَا مَعْصِيَةً جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ عَرَفَةَ الْمَاضِي كَفَّارَةً لَهَا كَمَا جَعَلَهُ مُكَفِّرًا لِمَا قَبْلَهُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا يُحْوِجُهُ إلَى كَفَّارَةٍ وَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِي السَّنَتَيْنِ مَعًا تَأْوِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَعْصِمُهُ فِي هَاتَيْنِ السَّنَتَيْنِ فَلَا يَعْصِي فِيهِمَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِدَّةِ فِي تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْأُخْرَى يَحْتَمِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute