للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

قَالَ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَذَى إنَّمَا اُخْتُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ بِهَا عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا وَأَنْوَاع الْأَذَى مُخْتَلِفَةٌ فَيَكُونُ ذِكْرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا مُنَبِّهًا عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَا فِيهِ ذَلِكَ النَّوْعِ فَنَبَّهَ بِالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ عَلَى مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْأَذَى بِاللَّسْعِ كَالْبُرْغُوثِ مَثَلًا عَنْ بَعْضِهِمْ وَنَبَّهَ بِالْفَأْرَةِ عَلَى مَا أَذَاهُ بِالنَّقْبِ وَالتَّقْرِيضِ كَابْنِ عُرْسٍ وَنَبَّهَ بِالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ عَلَى مَا أَذَاهُ بِالِاخْتِطَافِ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَنَبَّهَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ عَلَى كُلِّ عَادٍ بِالْعُقْرِ وَالِافْتِرَاسِ بِطَبْعِهِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّعْدِيَةِ إلَى كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَقَدْ أَحَالُوا التَّخْصِيصَ فِي الذِّكْرِ بِهَذِهِ الْخَمْسِ عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهَا الْمُلَابِسَاتُ لِلنَّاسِ الْمُخَالِطَاتُ فِي الدُّورِ بِحَيْثُ يَعُمُّ أَذَاهَا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّخْصِيصُ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ إلَّا أَنَّ خُصُومَهُمْ جَعَلُوا هَذَا الْمَعْنَى مُعْتَرِضًا عَلَيْهِ فِي تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى بَقِيَّةِ السِّبَاعِ الْمُؤْذِيَةِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللِّحَاقَ الْمَسْكُوتَ بِالْمَنْطُوقِ قِيَاسًا شَرْطُهُ مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ أَوْ رُجْحَانُهُ أَمَّا إذَا انْفَرَدَ الْأَصْلُ بِزِيَادَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتَبَرَ فَلَا إلْحَاقَ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَامَّةَ الْأَذَى كَمَا ذَكَرَ ثُمَّ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِبَاحَةِ قَتْلِهَا لِعُمُومِ ضَرَرِهَا فَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِيمَا لَا يَعُمُّ ضَرَرُهُ مِمَّا لَا يُخَالِطُ فِي الْمَنَازِلِ وَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِ كَمَا دَعَتْ إلَى إبَاحَةِ قَتْلِ مَا يُخَالِطُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ نَادِرٌ وَقَدْ أُبِيحَ قَتْلُهُ.

(وَالثَّانِي) مُعَارَضَةُ النُّدْرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الضَّرَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَأْثِيرَ الْفَأْرَةِ بِالنَّقْبِ مَثَلًا أَوْ الْحِدَأَةِ تَخْتَطِفُ شَيْئًا لَا يُسَاوِي مَا فِي الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ مِنْ إتْلَافِ النَّفْسِ فَكَانَ بِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ أَوْلَى انْتَهَى وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذِكْرِ الْحَدِيثِ الشَّامِلِ لِسَائِرِ السِّبَاعِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ» .

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ اقْتِصَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ؟ قُلْنَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَحْضُوضٌ عَلَى قَتْلِهِنَّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَيَكُونُ غَيْرُهُنَّ مُبَاحًا قَتْلُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ تِلْكَ الْخَمْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>