. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يُجْزِئُ إلَّا شَيْءٌ ذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الْحَلْقَ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ يَحُجُّهَا الْإِنْسَانُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ (قُلْتُ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ إنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ إذَا حَجَّ الرَّجُلُ أَوَّلَ حُجَّةٍ، حَلَقَ وَإِنْ حَجَّ مَرَّةً أُخْرَى إنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ وَإِذَا اعْتَمَرَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ فَإِنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَصَّرَ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْلِقُوا فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَأَوَّلِ عُمْرَةٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمَا اسْتِحْبَابٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَفْضِيلِ الْحَلْقِ الْمُعْتَمِرُ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّقْصِيرُ لِيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ.
{الْخَامِسَةُ} الْمَعْنَى فِي تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ بِالنَّظَرِ إلَى سَبَبِهِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ إمَّا فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَدْ سَبَقَ، وَإِمَّا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا السَّبَبِ فَكَوْنُهُ أَبْلَغَ فِي الْعِبَادَةِ وَأَدَلَّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ فِي التَّذَلُّلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُقَصِّرَ مُبْقٍ عَلَى نَفْسِهِ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ وَالْحَاجُّ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ الزِّينَةِ بَلْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَعْنَى الْآخَرِ نَظَرٌ: فَإِنَّ الْحَلْقَ إنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ النُّسُكِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَقَدْ انْقَضَى زَمَنُ الشُّعْثِ وَحَلَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، فَإِذَا طَافَ حَلَّ جَمِيعُ الْمُحَرَّمَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِتَرْجِيحِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ عَلَى أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ وَنُسُكَانِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَيْسَا مُجَرَّدَ اسْتِبَاحَةِ مَحْظُورٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ لَا تَفْضِيلَ لِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute