فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ:» ..
ــ
[طرح التثريب]
ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدٌ:.
(الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ:» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ «إلَّا أَنْ يَتُوبَ» أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
(قُلْت) : وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهَا فِي الْمُوَطَّإِ مَرْفُوعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ قِيلَ لِمَالِكٍ رَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَكَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي رِوَايَتِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ:» فَهَذِهِ رَوَاهَا مَالِكٌ مَوْقُوفَةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا رَوَاهَا النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِهِ وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَالِكٍ وَرُوِيَ رَفْعُهَا عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةُ) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْرٌ إلَّا أَنَّهُ لَا غَوْلَ فِيهِ وَلَا نَزْفَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى حِرْمَانِ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ فَمَنْ حُرِمَ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ دُخُولِهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهَا خَمْرًا وَأَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً فَلَيْسَ فِيهِ وَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَلَمَ فَقْدِهَا وَإِنْ عَلِمَ بِهَا وَبِأَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَحِقَهُ حُزْنٌ وَهَمٌّ وَغَمٌّ وَالْجَنَّةُ لَا حُزْنَ فِيهَا وَلَا غَمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} [الحجر: ٤٨] : {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: ٣٤] : وَقَالَ {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} [الزخرف: ٧١] : وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute