للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

الْجَنَّةَ وَهُوَ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَمَحْمَلُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَشْرَبُهَا إلَّا أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَيَشْرَبَهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزّ وَجَلَّ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ فَإِنْ عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ لَمْ يُحْرَمْهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَإِنْ غَفَرَ لَهُ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ لَا يُحْرَمْهَا وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ مَعْنَاهُ جَزَاؤُهُ وَعُقُوبَتُهُ أَنْ يُحْرَمَهَا فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إذَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَلَا يَشْرَبُ فِيهَا خَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهَا وَلَا يَرَاهَا وَلَا تَشْتَهِيهَا نَفْسُهُ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبِسْهُ هُوَ:» ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: ٢٣] : قَالَ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى نَحْوِ الْمَعْنَى الَّذِي نَزَعْنَا إلَيْهِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلُهُ حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ أَيْ إنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ وَأَنْفَذَ عَلَيْهِ وَعِيدَهُ وَأَنَّهُ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ أَوْ الْمُعَاقَبَةِ يُحْرَمُ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْسَاهَا وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَل أَنْ لَا يَشْتَهِيَهَا وَقِيلَ بَلْ دَلِيلُهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ الْجَنَّةَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ حُزْنٌ وَمَعَ عَدَمِهِ لَا عُقُوبَةَ فِيهِ؛ قَالَ وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ الْجَنَّةِ وَيُحْرَمَهَا مُدَّةً كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ فِي الْعِقَابِ «لَمْ يَرُحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ:» «وَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ:» فَيَكُونُ عِقَابُهُ مَنَعَهُ مِنْ الِالْتِذَاذِ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ وَأَهْلِ الْبَرْزَخِ وَأَمَّا أَنْ يُحْرَمُ الْجَنَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَيْسَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَصْحَابِ الذُّنُوبِ وَيَقُولُ الْأَوَّلُونَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَسْرَةٌ وَلَا يَكُونُ تَنْسِيَتُهُ إيَّاهَا أَوْ تَرْكُ شَهْوَتِهَا عُقُوبَةً وَإِنَّمَا هُوَ نَقْصُ نَعِيمٍ عَمَّنْ تَمَّ نَعِيمُهُ كَمَا اخْتَلَفَتْ دَرَجَاتُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ فِيهَا دُونَ بَعْضٍ وَلَا غَمَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمَذْهَبُ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبِسْهُ فِي الْجَنَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ، فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ كَالْوَارِثِ إذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>