. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الشُّومِ فِي الْفَرَسِ وَالدَّارِ فَقَالَ: كَمْ مِنْ دَارٍ سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا ثُمَّ سَكَنَهَا آخَرُونَ فَهَلَكُوا فَهَذَا تَفْسِيرُهُ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْضٌ عِنْدَنَا يُقَالُ لَهَا: أَرْضُ أَبَيْنَ هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا وَمِيرَتِنَا وَإِنَّهَا وَبِيئَةٌ أَوْ قَالَ: وَبَاؤُهَا شَدِيدَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهَا عَنْك فَإِنَّ مِنْ الْقَرَفِ التَّلَفَ» ثُمَّ رَوَى أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ فَرْوَةَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ فَإِنَّ اسْتِصْلَاحَ الْأَهْوِيَةِ مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْأَبَدَانِ وَفَسَادَ الْهَوَاءِ مِنْ أَسْرَعِهَا إلَى إسْقَاطِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا إبْطَالًا لِمَا وَقَعَ مِنْهَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا أَصَابَهُمْ بِسَبَبِ سُكْنَاهَا، فَإِذَا تَحَوَّلُوا عَنْهَا انْقَطَعَتْ مَادَّةُ ذَلِكَ الْوَهْمِ وَزَالَ عَنْهُمْ مَا خَامَرَهُمْ مِنْ الشُّبْهَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ مَالِكٍ وَلَيْسَ مِنْهُ إضَافَةُ الشُّومِ إلَى الدَّارِ وَلَا تَعْلِيقُهُ بِهَا وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَرْيِ الْعَادَةِ فِيهَا فَيَخْرُجُ الْمَرْءُ عَنْهَا صِيَانَةً لِاعْتِقَادِهِ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِهَا التَّعَلُّقَ الْبَاطِلَ وَالِاهْتِمَامَ بِغَيْرِهِمْ قَالَ: وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْخَبَرُ فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شُومَ وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مِخْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ نَفَى نِسْبَةَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إلَى الدُّورِ وَالنِّسَاءِ وَالْبَهَائِمِ وَأَجَازَ نِسْبَةَ الْيُمْنِ إلَيْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صَلَاحِ الْأَبَدَانِ وَفَرَاغِ الْقُلُوبِ عَنْ الِاهْتِمَامِ، قَالَ وَقَوْلُهُ دَعُوهَا ذَمِيمَةً إخْبَارٌ بِأَنَّ وَصْفَهَا بِذَلِكَ جَائِزٌ وَذِكْرَهَا بِقَبِيحِ مَا جَرَى فِيهَا سَائِغٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ كَائِنًا مِنْهَا وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ ذَمُّ الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْهُ شَرْعًا.
أَلَا تَرَى أَنَّا نَذُمُّ الْعَاصِيَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ حُكْمٌ عَقْلِيٌّ، وَجَوَازُ ذَمِّهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَاجْتَمَعَا وَاتَّفَقَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ تَخَيَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ التَّطَيُّرَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا طِيَرَةَ وَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهَا فَكَأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute