. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَالَ: لَا طِيَرَةَ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَمَنْ تَشَاءَمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا نَزَلَ بِهِ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَارَ إلَى هَذَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَعَضَّدَهُ بِمَا يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ» .
ثُمَّ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ كَلَامَ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُظَنُّ بِمَنْ قَالَ: هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ مِنْ الطِّيَرَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ هُوَ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ فِيهَا وَتَفْعَلُ عِنْدَهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لَا تَقْدَمُ عَلَى مَا تَطَيَّرَتْ بِهِ وَلَا تَفْعَلُهُ بِوَجْهٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطِّيَرَةَ تَضُرُّ قَطْعًا، فَإِنَّ هَذَا الظَّنَّ خَطَأٌ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَكْثَرُ مَا يَتَشَاءَمُ النَّاسُ بِهَا لِمُلَازَمَتِهِمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَبَاحَ الشَّرْعَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ غَيْرَهُ مِمَّا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ وَيَسْكُنُ إلَيْهِ خَاطِرُهُ وَلَمْ يُلْزِمْهُ الشَّرْعُ أَنْ يُقِيمَ فِي مَوْضِعٍ يَكْرَهُهُ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ يَكْرَهُهَا بَلْ قَدْ فَسَّحَ لَهُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَكِنْ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَثَرٌ فِي الْوُجُودِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى قَوْلِهِ «الطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ» أَنَّ إثْمَهَا عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا قَالَ: وَقَوْلُهُ «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» قَالَهُ لَهُمْ لِمَا رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الطِّيَرَةِ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ بَيَّنَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ أَنْ لَا طِيَرَةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ إبْطَالِ الطِّيَرَةِ إنْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوْ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ لَا يُعْجِبُهُ ارْتِبَاطَهُ فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الدَّارِ [وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ] وَيَبِيعَ الْفَرَسَ وَمَحَلُّ هَذَا الْكَلَامِ مَحَلُّ اسْتِثْنَاءِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْخُرُوجِ مِنْ كَلَامٍ إلَى غَيْرِهِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْخَطَّابِيَّ نَقَلَ هَذَا عَنْ كَثِيرِينَ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ «إنْ كَانَ الشُّومُ فِي شَيْءٍ» فَفِي قَوْلٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُذْكَرْ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ بِهِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ وَالتَّقْرِيبِ.
(الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَيْسَ لِشُومِهَا مَا يُتَوَقَّعُ بِسَبَبِ اقْتِنَائِهَا مِنْ الْهَلَاكِ بَلْ شُومُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا وَأَذَاهُمْ وَقِيلَ: بُعْدُهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَعَدَمُ سَمَاعِ الْأَذَانِ مِنْهَا، وُشُومُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَتَعَرُّضُهَا لِلرَّيْبِ، وُشُومُ الْفَرَسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا وَقِيلَ: حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا، وُشُومُ الْخَادِمِ سُوءُ خُلُقِهِ وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فُوِّضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute