. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَالْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ تَكُونُ نِسْبَةُ رُؤْيَاهُ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْفَاجِرُ مِنْ سَبْعِينَ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي رِوَايَةِ السَّبْعِينَ فِي وَصْفِ الرَّائِي مَا اُشْتُرِطَ فِي وَصْفِ الرَّائِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ كَوْنِهِ صَالِحًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِاخْتِلَافِ تَضَادٍّ وَتَدَافُعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ مَا يَكُونُ الَّذِي يَرَاهَا مِنْ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالدِّينِ الْمَتِينِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ فَمَنْ خَلَصَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَيَقِينِهِ وَصِدْقِ حَدِيثِهِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ أَصْدَقَ وَإِلَى النُّبُوَّةِ أَقْرَبَ كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَتَفَاضَلُونَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ حَمْلِ مُطْلَقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مُقَيَّدِهَا وَبِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَسَكَتَ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ وَصْفِ الرَّائِي وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ ذَكَرَ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ حِينَ ذَكَرَ خَمْسِينَ قُلْت كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِنَّمَا فِيهِ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ثَانِيهَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيلَ إنَّ الْمَنَامَاتِ دَلَالَاتٌ وَالدَّلَالَاتُ مِنْهَا خَفِيٌّ وَمِنْهَا جَلِيٌّ فَمَا ذَكَرَ فِيهِ السَّبْعِينَ يُرِيدُ الْخَفِيَّ مِنْهَا وَمَا ذَكَرَ فِيهِ السِّتَّةَ وَالْأَرْبَعِينَ يُرِيدُ بِهِ الْجَلِيَّ مِنْهَا.
(ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنَامَ الصَّادِقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ النُّبُوَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ النُّبُوَّةُ مَجْمُوعَةُ خِصَالٍ تَبْلُغُ أَجْزَاؤُهَا سِتَّةً وَعِشْرِينَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَشْيَاءَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْهَا وَعَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ التَّجْزِئَةِ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا ضَرَبْنَا ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ صَحَّ لَنَا أَنَّ عَدَدَ خِصَالِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ آحَادِهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ وَيَصِحُّ أَنْ نُسَمِّيَ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ جُزْءًا خَصْلَةً فَيَكُونُ جَمِيعُهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَيَصِحُّ أَنْ تُسَمَّى كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا جُزْءًا فَيَكُونُ مَجْمُوعُ أَجْزَائِهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ فَتَخْتَلِفُ أَسْمَاءُ الْعَدَدِ الْمُجَزِّئِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ.
وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ اخْتِلَافُ أَعْدَادِ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةِ اضْطِرَابًا وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ اعْتِبَارِ مَقَادِيرِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ أَنَّهُ أَشْبَهَ مَا ذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَثْلُجْ النَّفْسُ بِهِ وَلَا طَابَ لَهَا انْتَهَى كَلَامُهُ وَذَكَرَهُ قَبْلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَخْصَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute