. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مِنْهُ.
(رَابِعُهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّجْزِئَةُ فِي طُرُقِ الْوَحْيِ إذْ مِنْهُ مَا سُمِعَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ وَاسِطَةٍ كَمَا قَالَ {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: ٥١] وَمِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ كَمَا قَالَ {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: ٥١] وَمِنْهُ مَا يُلْقَى فِي الْقَلْبِ كَمَا قَالَ {إِلا وَحْيًا} [الشورى: ٥١] أَيْ إلْهَامًا وَهَذَا حَصْرٌ لَهَا، ثُمَّ فِيهِ مَا يَأْتِيهِ الْمَلَكُ عَلَى صُورَتِهِ وَمِنْهُ مَا يَأْتِيهِ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ يَعْرِفُهُ وَمِنْهُ مَا يَتَلَقَّاهُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِيهِ بِهِ فِي مَنَامِهِ بِحَقِيقَةٍ كَقَوْلِهِ الرَّجُلُ مَطْبُوبٌ وَمِنْهُ مَا يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَمِنْهُ مَا يُلْقِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَالَاتُ إذَا عُدِّدَتْ غَايَتُهَا انْتَهَتْ إلَى سَبْعِينَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْبُعْدِ وَالتَّسَاهُلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْدَادَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْت هُنَا لَيْسَتْ مِنْ النُّبُوَّةِ فِي شَيْءٍ كَكَوْنِهِ يَعْرِفُ الْمَلَكَ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يَأْتِيهِ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ غَيْرِ صُورَتِهِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا التَّكَلُّفِ الْعَظِيمِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَبْلُغَ عَدَدَ مَا ذَكَرَ إلَى ثَلَاثِينَ انْتَهَى.
(خَامِسُهَا) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا ظَهَرَ لِي وَجْهٌ خَامِسٌ وَأَنْ أَسْتَخِيرَ اللَّهَ فِي ذِكْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ النُّبُوَّةَ مَعْنَاهَا أَنْ يُطْلِعَ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَوَحْيِهِ إمَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ أَوْ بِإِلْقَاءٍ فِي الْقَلْبِ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِالنُّبُوَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ إلَّا مَنْ خَصَّهُ بِصِفَاتِ كَمَالِ نَوْعِهِ مِنْ مَعَارِفِ الْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ وَنَزَّهَهُ عَنْ نَقَائِضِ ذَلِكَ فَأَطْلَقَ عَلَى تِلْكَ الْخِصَالِ نُبُوَّةً كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَارُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ مِنْ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ لَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ مُتَفَاضِلُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: ٥٥] وَقَالَ {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: ٢٥٣] فَتَفَاضُلُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ لِكُلِّ مِنْهُمْ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَشَرُفَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَاتِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ الصِّدْقُ أَعْظَمُ صِفَتِهِ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَكَانُوا تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَنَائِمُهُمْ يَقْظَانُ وَوَحْيُهُمْ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ سِيَّانِ فَمَنْ نَاسَبَهُمْ فِي الصِّدْقِ حَصَلَ مِنْ رُؤْيَاهُ عَلَى الْحَقِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ فِي مَقَامَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ مُتَفَاضِلِينَ وَكَانَ كَذَلِكَ أَتْبَاعُهُمْ مِنْ الصَّادِقِينَ وَكَانَ أَقَلُّ خِصَالِ كَمَالِ الْأَنْبِيَاءِ مَا إذَا اُعْتُبِرَتْ كَانَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبْعِينَ وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute