. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَرَاتِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَلَاحِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى رُتْبَةٍ تُنَاسَبُ كَمَالَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ نُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَكِمَالَاتُهُمْ مُتَفَاضِلَةٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَنِسْبَةُ أَجْزَاءِ مَنَامَاتِ الصَّادِقِينَ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ وَبِهَذَا الَّذِي أَظْهَرَهُ اللَّهُ لَنَا يَرْتَفِعُ الِاضْطِرَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ «جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَوْلًا لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ مِنْ طَرِيقِ الْبُرْهَانِ، قَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَقِيَ مُنْذُ أَوَّلِ مَا بُدِئَ بِالْوَحْيِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَكَانَ يُوحَى إلَيْهِ فِي مَنَامِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ نِصْفُ سَنَةٍ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ زَمَانِ النُّبُوَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا قَدْ يَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَثْبُتَ مَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ خَبَرًا وَرِوَايَةً، وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ خَبَرًا وَلَا ذِكْرَ قَائِلٍ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا فَكَأَنَّهُ ظَنٌّ وَحُسْبَانُ الظَّنِّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَلَئِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَحْسُوبَةً مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْقِسْمَةِ لَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُلْحِقَ بِهَا سَائِرَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي كَانَ يُوحَى إلَيْهِ فِي مَنَامِهِ فِي تَضَاعِيفِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ وَأَنْ تُلْتَقَطَ فَتُلَفَّقُ وَيُزَادُ فِي أَصْلِ الْحِسَابِ وَإِذَا صِرْنَا إلَى هَذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ، وَقَدْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرَى الرُّؤْيَا فِي أُمُورِ الشَّرِيعَةِ وَمُهِمَّاتِ الدِّينِ فَيَقُصُّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَكَانَ بَعْضُ الشَّرِيعَةِ عَنْ رُؤْيَا بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَرُؤْيَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَذَانِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ رُؤْيَا الْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: ٢٧] وَقَالَ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: ٦٠] وَلَيْسَ كُلُّ مَا تَخْفَى عَلَيْنَا عِلَّتُهُ لَا تَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَحَصْرُ النُّبُوَّةِ مُتَعَذِّرٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُمَا مِنْ هَدْيِ الْأَنْبِيَاءِ وَشَمَائِلِهِمْ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي الرُّؤْيَا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْقِيقُ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute