للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُثْبِتُونَهُ وَيُحَقِّقُونَهُ وَأَنَّهَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِمْ وَالْأَنْبَاءِ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُ بِهَا الْوَحْيُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى.

وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا، ثُمَّ قَالَ وَلَا وَجْهَ عِنْدِي لِلِاعْتِرَاضِ بِمَا كَانَ مِنْ الْمَنَامَاتِ خِلَالَ زَمَنِ الْوَحْيِ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُوصَفُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا وَتُنْسَبُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْهَا فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السِّتَّةُ أَشْهُرٍ مُخْتَصَّةً بِالْمَنَامَاتِ وَالثَّلَاثُ وَالْعِشْرُونَ سَنَةً جُلُّهَا وَحْيٌ وَإِنَّمَا فِيهَا مَنَامَاتٌ قَلِيلَةٌ وَشَيْءٌ يَسِيرٌ يُعَدُّ عَدًّا صَحَّ أَنْ يَطَّرِدَ الْأَقَلُّ فِي حُكْمِ النِّسْبَةِ وَالْحِسَابِ، ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرَادَ بِالْحَدِيثِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ ثَمَرَةَ الْمَنَامَاتِ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ لَا أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُ ذَلِكَ إنْذَارَاتٌ وَبُشْرَى وَالْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ أَحَدُ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَأَحَدُ فَوَائِدِهَا، وَهُوَ فِي جَنْبِ فَوَائِدِ النُّبُوَّةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهَا يَسِيرٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يُشَرِّعُ الشَّرَائِعَ وَيُثْبِتُ الْأَحْكَامَ وَلَا يُخْبِرُ بِغَيْبٍ أَبَدًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا مُبْطِلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا صِدْقًا وَالرُّؤْيَا بِمَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَقَعُ لِكَوْنِهَا مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ أَوْ مِنْ غَلَطِ الْعَابِرِ فِي الْعِبَارَةِ فَصَارَ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ أَحَدَ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا حَقًّا وَثَمَرَةُ الْمَنَامِ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ وَلَكِنَّهُ قَدْ لَا يَقَعُ صِدْقًا فَتُقَدَّرُ النِّسْبَةُ فِي هَذَا بِقَدْرِ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِهَذَا الْعَدَدِ عَلَى حَسَبِ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ حَقَائِقِ نُبُوَّتِهِ مَا لَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ انْتَهَى.

(فَإِنْ قُلْت) قَدْ شَارَكَ الْمَنَامُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ الْإِلْقَاءُ فِي الرَّوْعِ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْيِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَيَقَعُ مِثْلُهُ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ أَيْ مُلْهَمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأَمَةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ» فَمَا وَجْهُ الْحَصْرِ فِي الْمَنَامِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ «ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَاتُ» (قُلْت) الْمَنَامُ يَرْجِعُ إلَى قَوَاعِدَ مُقَرَّرَةٍ وَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ مَعْرُوفَةٌ وَيَقَعُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْإِلْقَاءِ فِي الرَّوْعِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْخَوَاصِّ وَلَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>