. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» .
وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رِوَايَةَ الْإِطْلَاقِ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْيِيدِ وَاعْتَرَضَ الْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّ ذَلِكَ ذُهُولٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ إخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعُمُومُ عَنْ الْحُكْمِ وَلَمْ يُخْرِجْ هَذَا الْخَبَرُ شَيْئًا وَإِنَّمَا عَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ وَاحِدًا مِمَّا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ الْأَوَّلُ مَعَ مُوَافَقَتِهِ فِي الْحُكْمِ وَصَارَ بِمَثَابَةِ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: ٦٨] وَقَوْلِهِ {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨] فَعَيَّنَ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ ذِكْرُ التُّرَابِ وَإِنَّمَا عَيَّنَّهُ لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ وَأَغْلَبَ قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ تُرَابَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ فَيُقَالُ تُرَابُ الزِّرْنِيخِ وَتُرَابُ النُّورَةِ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَيْضًا أَنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَى الَّذِينَ خَصَّصُوا عُمُومَ الْأَرْضِ بِتُرْبَةِ الْأَرْضِ بِوُجُوهٍ مِنْهَا مَنْعُ كَوْنِ التُّرْبَةِ مُرَادِفَةً لِلتُّرَابِ وَادَّعَى أَنَّ تُرْبَةَ كُلِّ مَكَان مَا فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ أَعْنِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالتُّرْبَةِ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الْأُصُولِ وَقَالُوا لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي خُصَّتْ بِهِ التُّرْبَةُ بِالطَّهُورِيَّةِ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَفْهُومَهُ مَعْمُولٌ بِهِ لَكَانَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ بِمَنْطُوقِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهُورِيَّةِ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَإِذَا تَعَارَضَ فِي غَيْرِ التُّرَابِ دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ الَّذِي يَقْتَضِي عَدَمَ طَهُورِيَّتِهِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ الَّذِي يَقْتَضِي طَهُورِيَّتَهُ فَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ انْتَهَى.
وَالْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْقُرْطُبِيِّ الْأَوَّلِ مِنْ جَعْلِهِ ذَلِكَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا.
فَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازِعِ فِيهَا وَقَوْلُهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا دَعْوَى وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] فَهَلَّا جَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْآيَةِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا ذِكْرُ الرَّقَبَةِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي الْكَفَّارَةِ إيمَانَ الرَّقَبَةِ حَمْلًا لِإِحْدَى الْآيَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى.
وَأَمَّا تَمْثِيلُهُ بِذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ فَهُوَ ذُهُولٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا صُورَةُ هَذَا أَنْ يَذْكُرَ مَعًا الْعَامَّ قَبْلَ الْخَاصِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ بَلْ أَطْلَقَ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ الْأَرْضَ وَقَيَّدَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute